إن الأمر والنهي من أهم مباحث أصول الفقه، لأنهما مدار الأحكام ومتعلق التكليف، وهما المعتبران في بحث إفادة الحكم الشرعي، فبهما يثبت، وبمعرفتهما يعرف، وبالنظر فيهما يتميز الواجب من المندوب، والحرام من المكروه، ولهذا قال الإمام السرخسي:" أحق ما يبدأ به في البيان: الأمر والنهي، لأن معظم الابتلاء بهما، وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام ويتميز الحلال من الحرام " [37] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn37).
أ ـ أثر القرائن في توجيه دلالة الأمر
يطلق الأمر لغة على ضد النهي وهو ظاهر، ويطلق ويراد به المأمور والشأن والحكم والحال والحث على الفعل وغير ذلك [38] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn38).
وفي الاصطلاح تعددت تعريفات الأمر عند الأصوليين، ساق الآمدي جملة منها معترضا على أكثرها، وارتضى التعريف الآتي:" الأمر طلب الفعل على جهة الاستعلاء " [39] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn39)، وذكر محترزاته.
ما يقتضيه الأمر من الدلالات: وفيه عدة مسائل.
المسألة الأولى: هل للأمر صيغة؟
الصيغة كما عرفها الإمام الجويني هي:" العبارة المصوغة للمعنى القائم في النفس " [40] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn40)، و حين تطرح المسألة: هل للأمر صيغة؟ معناها هل للأمر عبارة خاصة تدل بمجردها على الأمر؟ أم لا بد من قرائن تصرفها إلى معنى الأمر؟
اختلف الأصوليون في هذه المسألة، فذهب أبو الحسن الأشعري ومتبعيه إلى نفي وجود صيغة خاصة للأمر، دالة عليه بمجردها [41] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn41)، وقال ابن السمعاني:" هذا قول لم يسبقهم إليه أحد من العلماء، وقد ذكر بعض أصحابنا شيئا من ذلك عن ابن سريج ولا يصح " [42] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn42).
أما جمهور العلماء فقالوا:إن للأمر صيغة خاصة دالة عليه بغير قرينة وهي "افعل" [43] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn43) .
المسألة الثانية: مدلول الأمر من حيث الحكم الذي يقتضيه.
اتفق الأصوليون على أن صيغة الأمر تستعمل في وجوه كثيرة، ذكر منها الآمدي خمسة عشرا وجها متفقا عليها، وهي الوجوب والندب والإرشاد والإباحة والتأديب والامتنان والإكرام والتهديد والتسخير والتعجيز والإهانة والتسوية والدعاء والتمني وكمال القدرة [44] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn44).
كما اتفق الأصوليون أيضا على أن صيغة الأمر ليست حقيقة في جميع هذه الوجوه، لأن معنى التسخير والتعجيز والتسوية مثلا، غير مستفاد من مجرد الصيغة، بل يفهم ذلك من القرائن [45] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn45).
ومحل الخلاف هو في ما يقتضيه الأمر المجرد عن القرائن التي تخلصه لأحد مقتضياته.
انقسم العلماء في ذلك إلى مذاهب عدة أوصلها الزركشي في كتابه البحر المحيط إلى أحد عشر مذهبا [46] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn46)، وأبرزها ثلاثة مذاهب هي:
المذهب الأول: يرى أصحابه أن الأمر لا يحمل على وجوب ولا غيره إلا بقرينة تدل على المراد منه، بمعنى أنه يتوقف فيه، قال الآمدي:" وهو مذهب أبي الحسن الأشعري ومن تابعه من أصحابه كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي وغيرهما وهو الأصح " ثم قال:" نحن في هذه المسألة… متوقفون" [47] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn47) ، قال الإمام الجويني:" والمتكلمون من أصحابنا مجمعون على اتباع أبي الحسن في الوقف " [48] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn48).
المذهب الثاني: يرى أصحابه من جميع المعتزلة وكثير من المتكلمين وبعض الفقهاء أن الأمر المطلق يقتضي الندب [49] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn49).
¥