فقوله صلى الله عليه وسلم "فليلبس" ظاهر الأمر للوجوب، لكنه لما شرع للتسهيل لم يناسب التثقيل، وإنما هو للرخصة [69] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn69).
ـ قول الله تعالى " وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك" [70] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn70) أي استزل أَوْ حرك من استعطت منهم بوسوستك وَدُعَائِك إلَى الشر.
إنه لما استحال مِنْهُ عز وجل الأمر بالمعصية لأنه سبحانه كريم حكيم لا يليق بكرمه وَحِكْمَتِهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ عدوه إبليس أَنْ يستفز عِبَادَهُ، فإن الأمر في الآية مَحْمُولٌ عَلَى الإقدار والتمكين، فَصَارَ الْمَعْنَى أني أمكنتك وَأَقْدَرْتُك عَلَى تهييجهم ودعائهم إلى الشر [71] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn71)، فكانت القرينة هنا اعتبار حال المتكلم وحكمته [72] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn72)، أو كما عبر عنها السرخسي: دلالة من وصف المتكلم [73] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn73).
وأكتفي من هذه الأمثلة باليسير عسى أن تكون دليلا على أن ما وراءها كثير.
إن جمهور العلماء وإن نصوا على أن الأمر حقيقة في الوجوب ولا يصرف عن ذلك إلا بقرينة، فقد اختلفت أنظارهم في وجود القرينة أو عدمه، وفي اعتبار هذه القرينة إن وجدت ومقدار صلاحها لصرف الأمر عن ظاهره وحقيقته ـ الوجوب ـ إلى معنى أو حكم آخر، فقد تصلح القرينة للصرف عند بعضهم ولا تصلح عند آخرين، ومن ثم جاء الاختلاف في مجموعة من النصوص الشرعية حول الأحكام التي تفيدها لأجل الاختلاف في القرائن المعتبرة في فهمها وفي طرق الاستدلال بها، من ذلك ـ على سبيل التمثيل ـ اختلاف العلماء في مدلول الأمر الوارد في حديث الحوالة [74] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn74):
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" [75] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn75)، قال الحافظ ابن حجر:" ومعنى قوله أتبع .. فليتبع، أي أحيل فليحتل" [76] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn76)، فإذا أحال المدين دائنه على شخص ثالث مليء ليستوفي منه دينه، فهل يجب على هذا المدين قبول الحوالة على المليء أم لا يجب؟ اختلف العلماء في هذا:
فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وكثير من العلماء إلى أن الأمر في الحديث مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب لاعتبار حال المحيل، فالتخفيف عنه والتيسير عليه بتحويل الحق عنه وترك تكليفه التحصيل بالطلب من الإحسان المستحب [77] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn77).
وذهب آخرون منهم الخطابي إلى أن الأمر في الحديث دال على مطلق الإباحة، قال في معالم السنن:" وقوله "فليتبع" معناه: فليحتل، وهذا ليس على الوجوب وإنما هو على الإذن له والإباحة فيه، إن اختار ذلك وشاءه" [78] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn78) وإلى هذا مال ابن الهمام في فتح القدير وأيده واعتبره هو الحق الظاهر [79] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn79)، وعقب عليهم الحافظ ابن حجر بأن القول بالإباحة قول شاذ [80] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn80).
وحمل أكثر الحنابلة وأهل الظاهر الأمر في الحديث على ظاهره وحقيقته أي على الوجوب إذ لم يروا قرينة تصرفه عن ذلك، فإذا أحيل الدائن على مليء فواجب أن يحول ما له عليه [81] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn81)، ونقل الخطابي عن داود الظاهري أنه يكره على ذلك إن أباه [82] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn82).
والحاصل أن اختلاف العلماء في اعتبار القرائن التي توجه دلالة الأمر في بعض نصوص الشرع، كان له أثره في اختلاف الحكم المترتب عليه.
المسألة الثالثة: مقتضى الأمر المطلق من حيث التكرار وعدمه:
¥