تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2ـقاعدة اعتبار المآلات: فعلى المفتي النظر إلى مآلات الأقوال والأفعال في عموم التصرفات، ومن هنا فالمجتهد حين يجتهد ويحكم، عليه أن يقدر مآلات الأفعال التي هي محل حكمه و إفتائه، وأن يقدر عواقب حكمه وفتواه ولا يعتقد أن مهمته تنحصر في إعطاء الحكم الشرعي، وضابط هذا الأمر كما قال الشاطبي" أن تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمن وأهله فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها، أما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم وأما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا السماع فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية.

وقال أيضا:" النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً أكانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدّى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدّى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغبّ جار على مقاصد الشريعة".

-ذكر دليل المسألة: ينبغي على المفتي أن يذكر دليل حكم الواقعة المستفتى فيها قال ابن القيم:" ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ويأخذه ما أمكنه من ذلك ولا يلقيه إلى المستفتي ساذجا مجردا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عطنه (نطاقه) وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمل فتاوى النبي الذي قوله حجة بنفسه رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته"، وقد عاب بعض الناس ذكر الاستدلال في الفتوى وهذا العيب أولى بالعيب بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل فكيف يكون ذكر كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والقياس الصحيح عيبا فإذا ذكر الدليل، فقد حرم على المستفتي أن يخالفه وبرئ هو من عهدة الفتوى بلا علم، وذكر الدليل إنما هو في حق من يفهم الأحكام ويدرك مقاصدها ومراميها ولذلك استحب العلماء أن لا يذكر الدليل للعامي إلا أن يطلبه فيقتصر له على المراد. قال الإمام النووي: 'قال الصميري: لا يذكر الحجة إن أفتى عاميا ويذكرها إن أفتى فقيها"

كما يجب تجنب حكاية الخلاف والإكثار من إيراد الأقوال المختلفة حتى لا يشوش على المستفتي، إذ في ذلك مضيعة للوقت ولأن العامي كما قال الشاطبي:" لا يدري من الذي دليله أقوى من المختلفين والذي دليله اضعف؟ ولا يعلم هل تساوت أدلتهم أو تقاربت أم لا؟ لأن هذا لا يعرفه إلا من كان أهلا للنظر وليس العامي كذلك".

ومع ذكر الدليل لا بد للمفتي أن يكون فطنا يستفصل حيث تدعو الحاجة إلى الاستفصال، ويتركه حيث لا يحتاج إليه ويحيل فيه مرة على ما علم من شرعه ودينه من شروط الحكم وتوابعه. قال اللقاني:" ومتى كان للمسألة شروط وتفاصيل منها قريب ومنها بعيد فالمتعين على المفتي ذكر الشروط والتفاصيل القريبة دون البعيدة.

ـ مراعاة أعراف البلدان وتغير العوائد حتى لا يفتى بخلافها، فيكون ذلك سببا في التنفير والتضييق على الناس فإن المفتي والقاضي كما قال الخوارزمي لابد لهما من معرفة أعراف الناس وإلا مضغهما الناس وإن الأحكام المبنية على العوائد تتغير بتغيرها، قال القرافي:" إن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت, وتبطل معها إذا أبطلت وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام فمهما تجدد العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين"،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير