فنقول سلمنا المقدمة الصغرى تسليماً جدلياً لأن الكلام على فرض صدقها وهي قولنا المجاز جائز قي اللغة العربية ولكن لا نسلم الكبرى التي هي قوله وكل جائز في اللغة جائز في القرآن بل نقول بنقيضها وقد تقرر عند عامة النظار أن نقيض الكلية الموجبة جزئية سالبة فهذه المقدمة التي فيها النزاع وهي قوله كل جائز في اللغة جائز في القرآن كلية موجبة منتقضة بصدق نقيضها الذي هو جزئية سالبة وهي قولنا بعض ما يجوز في اللغة ليس جائز في القرآن فإذا تحقق صدق هذه الجزئية السالبة تحقق نفي الكلية الموجبة التي هي قوله كل جائز في اللغة جائز في القرآن والدليل على صدق الجزئية السالبة التي نقضنا به كليته الموجبة كثرة وقوع الأشياء المستحسنة في اللغة عند البيانيين كاستحسان المجاز وهو ممنوع في القرآن بلا نزاع فمن ذلك ما يسميه علماء البلاغة الرجوع وهو نوع من أنواع البديع المعنوي وحده الناظم بقوله:
وسم نقض سابقٍ بلا حقٍ لسر الرجوع دون ماحقِ
فإنه بديع المعنى في اللغة عندهم وهو ممنوع في القرآن العظيم لأن نقض السبق فيه باللاحق إنما هو لإظهار المتكلم الوله والحيرة من أمر كالحب مثلاً ثم يظهر أنه ثاب له عقله ورجع له رشده فينقض كلامه الأول الذي قاله في وقت حيرته غير مطابق للحق كقول زهير:
قف بالديار التي لم يعفها قدم بلى وغيرها الأرواح و الديم
فقوله: بلى وغيرها إلخ. عندهم ينقض به قوله لم يعفها القدم إظهاراً لأنه قال الكلام الأول من غير شعور ثم ثاب إليه عقله فرجع إلى الحق وهذا بليغ جداً في إظهار الحب والتأثر عند رؤية دار الحبيب ولا شك أن مثل هذا لا يجوز في القرآن ضرورة} [19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn19)
فصل في الإجابة على ما ادعي أنه مجاز
{جداراً يريد أن ينقض}:
فالجواب أن قوله {يريد أن ينقض} لا مانع من حمله على حقيقة الإرادة المعروفة في اللغة لأن الله يعلم للجمادات ما لا نعلمه لها كما قال تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولا كن لا تفقهون تسبيحهم}
وقد ثبت في صحيح البخاري حنين الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم
وثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال {إن لأعرف حجراً كان يسلم علي في مكة} [20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn20)
فصل في مناقشة دليل المنع
قال رحمه الله {فإن قالوا هذا الذي نسميه مجازاً وتسمونه أسلوباً من أساليب اللغة يجوز نفيه على قولكم كما جاز نفيه على قولنا فيلزم المحذوف قولكم كما لزم قولنا
فالجواب:أنه على قولنا أنه حقيقة لا يجوز نفيه فإن قولنا: رأيت أسداً يرمي مثلاً لا نسلم جواز نفيه لأن هذا الأسد المقيد بكونه يرمي ليس حقيقة الحيوان المفترس حتى تقولوا هو ليس بأسد فلو قلتم هو ليس بأسد قلنا نحن ما زعمنا أنه حقيقة الأسد المتبادر عند الإطلاق حتى تكذبونا وإنما قلنا بأنه أسد يرمي وهو كذلك هو أسد يرمي} [21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn21)
وقد قال العلامة عبد الكريم الخضير حفظه الله في شرحه للورقات {اختلف العلماء في إثبات المجاز فأثبته بعضهم واشتهر وانتشر عند المتأخرين ولم يفرقوا بين الأدلة الشرعية وغيرها من الكلام العادي ونفاه قوم من القرآن كابن خويز منداد من المالكية وابن القاص من الشافعية وأهل الظاهر ويقولون بالمجاز في غير القرآن وأما القرآن ليس فيه مجاز
ونفاه آخرون من القرآن والسنة والكلام العادي كأبي إسحاق الإسفرائيني وأبي علي الفارسي ونصره شيخ الإسلام وابن القيم وسماه طاغوت ورد الأمين الشنقيطي على من يقول بالمجاز بكلام طويل وبين شيخ الإسلام أن هذا التقسيم مخترع حادث بعد القرون الثلاثة المفضلة لم يتكلم به أحد من الصحابة والتابعين ولا أحد من الأئمة ولا علماء اللغة
هل نقول هذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح كغيره من التقسيمات الموجودة في العلوم الأخرى والظاهر أن القول بالمجاز إنما أحدثه المبتدعة ليتوصلوا إلى تفي صفات الله لأنها مجاز
ومن أقوى ما يستدل به على إنكار المجاز على أنه يجوز نفيه وليس في النصوص ما يجوز نفيه فهل نقول يجب التزامه وإن جاز نفيه كما يقوله بعضهم أو نقول انه استعمال حقيقي
¥