ومن المؤسف حقا أن علم أصول الفقه تشبع بمسائل الكلام والفلسفة، وأُدخل فيه ما ليس منه حتى خرج إلى حد الإلغاز والإعجاز، وتكاد لا تكون عباراته عربية المبنى، علاوة على الاختصار المخل أحيانا. ونمثل لذلك بكتاب التحرير لابن الهُمام لأنك إذا جردته من شروحه وحاولت أن تفهم مراد قائله فكأنما تحاول المعميات. وقريب منه جمع الجوامع لقاضي القضاة تاج الدين السبكي، فهو عبارة عن جمع الأقاويل المختلفة بعبارة لا تفيد قارئا ولا سامعا وهو مع ذلك خلو من الاستدلال على ما يقرره من القواعد. ولم يتخلص علم أصول الفقه من مباحث الكلام والفلسفة إلا في العصور المتأخرة.
وأسعى بهذه الأطروحة إلى تجريد علم الأصول من هذه الجدليات وتلك التعقيدات وَفقا لمنهج المحدثين؛ وهو اعتماد النص الشرعي أولا في التأصيل والتقرير. ومسلكنا في ذلك على ما قرره الشاطبي في كتابه الماتع -الموافقات-: " كل مسألة مرسومة فى أصول الفقه لا ينبنى عليها فروع فقهية أو آداب شرعية أو لا تكون عونا فى ذلك فوضعها فى أصول الفقه عارية والذي يوضح ذلك أن هذا العلم لم يختص بإضافتة إلى الفقه إلا لكونه مفيدا له ومحققا للاجتهاد فيه فإذا لم يفد ذلك فليس بأصل له ولا يلزم على هذا أن يكون كل ما انبنى عليه فرع فقهي من جملة أصول الفقه وإلا أدى ذلك إلى أن يكون سائر العلوم من أصول الفقه كعلم النحو واللغة والاشتقاق والتصريف والمعانى والبيان والعدد والمساحة والحديث وغير ذلك من العلوم التى يتوقف عليها تحقيق الفقه وينبنى عليها من مسائله وليس كذلك فليس كل ما يفتقر إليه الفقه يعد من أصوله وإنما اللازم أن كل أصل يضاف إلى الفقه لا ينبنى عليه فقه فليس بأصل له ... " ا. هـ
سادسا
أما الأصول التي اختلف حولها العلماء ولا يترتب على هذا الاختلاف أثر عملي، فإنا لن نتوسع في تحقيقها وتحريرها وإنما سنعرض لهذا وذاك؛ قال الشاطبي رحمه الله: وكل مسألة فى أصول الفقه ينبنى عليها فقه إلا أنه لا يحصل من الخلاف فيها خلاف في فرع من فروع الفقه فوضع الأدلة على صحة بعض المذاهب أو إبطاله عارية أيضا.
سابعا
أما المسائل التي لا ينبني عليها عمل أصلا فلا حاجة لنا في إدخالها في هذا البرنامج لأن القصد منه هو تقريب علم أصول الفقه، وتجريده عما شوشه وعقده، يقول الشاطبي: كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي وأعنى بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعا والدليل على ذلك استقراء الشريعة فإنا رأينا الشارع يعرض عما لا يفيد عملا مكلفا به ففى القرآن الكريم {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} فوقع الجواب بما يتعلق به العمل إعراضا عما قصده السائل من السؤال عن الهلال لم يبدو في أول الشهر دقيقا كالخيط ثم يمتلئ حتى يصير بدرا ثم يعود إلى حالته الأولى ... ا. هـ
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[10 - 02 - 08, 09:53 م]ـ
اخي الحبيب بارك الله فيك، لم تحسن تقييم التحرير ولا جمع الجوامع، وبخستهما حقها، صدقا من محب، وليتك تبين لمحبك ماهي طريقة المحدثين عندك التى ستبني عليها الأصول أو ستجرد علم الأصول مما اعتراه بناء عليها، وقولك على سبيل البيان انها (أعتماد النص الشرعي) غريب جدا، ويحتاج الى توضيح موقفك من بقية الأصول التى يبنى عليه الحكم الشرعي - دون النص الشرعي - فضلا عن الأصول التى يستنبط منها القواعد الأصولية.
وفقنا الله وإياك لنيل مرضاته والفوز بجنانه.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[10 - 02 - 08, 10:29 م]ـ
شيخنا الحبيب زياد رفع الله قدره
هذا النص هو كلام الشيخ محمد الخضري بك صاحب كتاب أصول الفقه
(وهذه الكتب التي عنيت بأن تجمع كل شيء استعملت الإيجاز في عباراتها حتى خرجت إلى حد الالغاز والإعجاز وتكاد لا تكون عربية المبنى
....
في ذلك كتاب التحرير لابن الهمام لأنك إذا جردته من شروحه
...
الخ كلامه
وينتهي عند
(وهو مع ذلك خلو من الاستدلال على ما يقرره من القواعد)
ذكرت هذا للتذكير والفائدة
ولا شك أنكم أعلم بهذا ولكن المقصود بأن ما ذكره عن التحرير وجمع الجوامع هو كلام الشيخ محمد الخضري بك
ـ[ابن وهب]ــــــــ[10 - 02 - 08, 10:50 م]ـ
والنص كما في الكتاب (طبعة سقيمة)
(وهذه الكتب التي عنيت بأن تجمع كل شيء استعملت الإيجاز في عباراتها حتى خرجت إلى حد الإلغاز والإعجاز وتكاد لا تكون عربية المبنى وأدخلها في ذلك كتاب التحرير لابن الهمام لأنك إذا جردته من شروحه وحاولت أن تفهم مراد قائله فكأنما تحاول فتح المعميات ومن الغريب أنك إذا قرأت قبل أن تنظر فيه شروح ابن الحاجب ثم عدت إليه وجدته قد أخذ عبارتهم فأدمجها إدماجا وأخل بوزنها حتى اضطربت العبارة واستغلقت وأما جمع الجوامع فهو عبارة عن جمع الأقاويل المختلفة بعبارة لا تفيد قارئا ولا سامعا وهو مع ذلك خلو من الاستدلال على ما يقرره من القواعد)
انتهى
¥