كَمَا عَلِمْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ السُّنَّةَ نَزَلَتْ بِوَظِيفَةِ البَيَانِ القُرآنِ، وَهَذَا يَعنِي أَنَّ بَينَ نُصُوصِ القُرآنِ وَأَحكَامِهِ وَنُصُوصِ السُّنَّةِ وَأَحكَامِهَا عَلَاقةً، تِلكَ العَلَاقَةُ قُصِدَ بِهَا بَيَانُ مُرَادِ Q تَعَالَى مِنْ خَلقِهِ، وَهَذِهِ العَلَاقَةُ تَعَدَّدَتْ أَنمَاطُهَا عَلَى النَّحوِ التَّالِي:
أولا: البيان بالتأكيد: وهو توافق النص النبوي والنص القرآني في الحكم من غير زيادة أو نقصان.
مِثَالُهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
وَقَوْلُهُ e: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا.
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة
فَالسُّنَّةُ هُنَا طَابَقَتِ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَمْرُ بالحج من غير زيادة أو نقصان.
ثانيا: البيان بالتوضيح: وهي بيان ما أراد Q من عباده إما تفصيلا أو تمثيلا أو تعيينا.
مثاله: قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:
{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : إِنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَآخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ.
أخرجه الترمذي وصححه الألباني
فَالسُّنَّةُ هُنَا فَصَّلَتْ فِي شَأْنِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْلَاهُ مَا عَرَفْنَا ذَلِكَ. وَلَوْ رَامَ أَحَدٌ الِاجْتِهَادَ فِي اسْتِخْرَاجِهَا مِنَ الْقُرْآنِ فَقَطْ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ اسْتِنْبَاطٌ.
وَمِثلُ ذَلِكَ الأَمرُ بِقَطعِ يَدِ السَّارِقِ وَبَيَانُ السُّنَّةِ لَهُ بِتَمثِيلِ القَطعِ، وَكَذَلِكَ تَعْيِينُ شَخصِيَّةِ الخَضِرِ فِي قِصَّةِ مُوسَى.
وَهَذَانِ النَّوعَانِ لَمْ يَختَلِفْ فِيهِمَا أَهلُ العِلمِ كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ.
ثالثا:البيان بالزيادة: وَهُوَ مَا سَنَّ رَّسُولُ e زيادة على ما نُصَّ عَلَيهِ فِي كِتَابِ Q إِمَّا تَخصِيصًا أو تقييدا.
مِثَالُهُ قَولُهُ تَعَالَى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ...... } إلى قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ... } الآيات
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا
متفق عليه
فَالسُّنَّةُ هُنَا اسْتَقَلَّتْ بِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى
{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ... }
رابعا: البيان بالنسخ: وهو نسخ السنة لحكم ورد في القرآن
· مَسْأَلَةُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ: قَالَ ابْنُ عُثَيْمِين: نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ؛ لَمْ أَجِدْ لَهُ مِثَالاً سَلِيماً.
(فرع) نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ: كَانَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالجِمَاعُ لَيَالِيَ رَمْضَانَ لِمَنْ نَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ مِنْ لَيْلِهِ حَرَامًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فَأَجْازَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْلًا وَذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنْ الْبَرَاءِ t قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ e إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ e فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}
فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}.
أخرجه البخاري
¥