تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فخصوص السبب عمدة في فهم المعنى، وعموم اللفظ عمدة في حكمالآية، إلا أن ما نزلت الآية بخصوصه قطعية الدخول في معنى الآية إذ هي الأصل فيها، لكن الآية تشمل غيره من جهة القياس على وصفه.

قال السرخسي: "وقال بعضهم: النص يكون مختصاً بالسبب الذي كان السياق له، فلا يثبت به ما هو موجب الظاهر، وليس كذلك عندنا، فإن العبرة لعموم الخطاب لا لخصوص السبب، فيكون النص ظاهراً لصيغةالخطاب، نصاً باعتبار القرينة التي كان السياق لأجلها" (14)، وقال السيوطي: إن صورة السبب قطعية الدخول في العام، وقد تتنزل الآيات على الأسباب الخاصة، وتوضعمع ما يناسبها من الآيات العامة رعاية لنظم القرآن وحسن السياق (15)، وضرب لذلك مثلاً بقوله تعالى: " وسيجنبها الاتقى الذي يوتي مَالَهُيتزكى" [الليل 17 - 18] فإنها نازلة في أبي بكر الصديق بالإجماع، ومعكونها فيه ثناء عليه إلا أن الصيغة العامة التي وردت فيها تفيد أن هذا الحكم ليس مقصوراً عليه.

ولهذا فإنه كثيراً ما تكون الآيات نازلة بحال معين أو حدث خاص أو شخص مقصود، إلا أنها تأتي بصيغة العموم فتعم غيره من جهة الوصف، لأن القرآن عامفي حكمه، إلا أنه يجب اعتبار ما نزلت فيه الآية في بيان المعنى ابتداءً، لأنه المحدد للوصف وللغرض من الآية.

قال إمام الحرمين الجويني:" القول البالغ فيه أن قصد التخصيص بالسبب الخاص يعارضه قصد ابتداء تمهيد الشرع، فإن لم يظهر قصد تأسيس الشرع لم يترجح قصد التخصيص بالسبب، فإذا تعارضا لم يحكم أحدهما على الثاني، وتعين التمسك باللفظ ومقتضاه العموم، ولهذا اعتقد صحبه الأكرمون عدم اختصاص ألفاظه بالمكان والزمان والمخاطبين (16) وقال السعدي: "قاعدة: وتدبر هذه النكتة التييكثر مرورها بكتاب الله تعالى؛ إذا كان السياق في قصة معينة، أو على شيء معين، وأراد الله أن يحكم على ذلك المعين بحكم لا يختص به، ذكر الحكم وعلقه على الوصفالعام، ليكون أعم، وتندرج فيه الصورة التي سيق الكلام لأجلها، ليندفع الإيهامباختصاص الحكم بذلك المعين (17)

وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد:" ولا يشتبه عليك التخصيص بالقرائن بالتخصيص بالسبب كما اشتبه على كثير من الناس فإن التخصيص بالسبب غير مختار فإن السبب وإن كان خاصا فلا يمنع أن يورد لفظ عام يتناوله وغيره كما في {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ولا ينتهض السبب بمجرده قرينة لرفع هذا، بخلاف السياق فإنه يقع به التبيين والتعيين أما التبيين ففي المجملات وأما التعيين ففي المحتملات وعليك باعتبار هذا في ألفاظ الكتاب والسنة والمحاورات تجد منه ما لا يمكنك حصره" (18) قال:"ويجب أن تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العام، وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، ولا تجريهما مجرى واحداً،فإن مجرد ورود العام على السبب، لا يقتضي التخصيص به كقوله: "والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما"سورة المائدة الآية 38 بسبب سرقة رداء صفوان، وأنه لا يقتضي التخصيص به بالضرورة و الإجماع،أما السياق و القرائن فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المجملات و تعيين المحتملات، فاضبط هذه القاعدة، فإنها مفيدة في مواضع لا تحصى (19)

ويتفرع عن هذه المسألة مسألة أخرى، وهي خطاب الشارع الخاص الوارد على سبب خاص هل يقصر حكمه على المخاطب فيه فحسب، أم يعم غيره من المكلفين ممن هو في حاله وصفته؟

والذي دلت عليه عبارات الراسخين وجرت به أقلام المحققين ونطقت به إشارات المدققين (20) أن الصيغة الخاصة لا تعم بمجردها، وإنما تعم بالشرع، قال إمام الحرمين في البرهان:" إن وقع النظر في مقتضى اللفظ، فلا شك أنه للتخصيص، وإن وقع النظر فيما استمر الشرع عليه، فلا شك أن خطاب رسول الله، وإن كان مختصا بآحاد الأمة، فإن الكافة يلزمون في مقتضاه ما يلتزمه المخاطب، وكذلك القول فيما خص به أهل عصره، وكون الناس شرعا في الشرع، واستبانة ذلك من عهد الصحابة ومن بعدهم لاشك فيه. وكون مقتضى اللفظ مختصا بالمخاطب من جهة اللسان لاشك فيه، فلا معنى لعد هذه المسألة من المختلفات والشقان جميعا متفق عليهما (21)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير