وحين يجنح الأصوليون إلى أمثلة افتراضية يطالبهم بالأمثلة الشرعية الواقعية، ومن النماذج على ذلك:
أنه حينما مثل الآمدي على مسألة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بقوله: " كما لو قال الشارع: أوجبت عليك الصلاة إن كنت متطهرا " [1\ 110 من الإحكام]
علق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله: " لو مثل بأمثلة واقعية مثل قوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) الآية، لكان أنسب وأنفع "
[تعليق رقم 3، 1\ 110 منه]
وفي ذلك كفاية إن شاء الله على الاستشهاد على هذا المطلب المهم. [9]
المطلب الثالث:
اهتمامه بالتأصيل والتقعيد وبيان مقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها:
وذلك مطلب مهم نحا فيه الشيخ - رحمه الله - منحى العناية بالجوهر واللباب لهذا العلم المهم، فقد جمع - رحمه الله - بين الاستدلال بالنصوص وبين العناية والنظر في مقاصد الشريعة وحكمها، وذلك جمع بين الحسنيين في المنهج الأصولي، فهو لم يغرق في الجدل والمنطق ولم يجمد على ظواهر النصوص ولم يغفل المقاصد والقواعد والحكم والأسرار، وتلك لعمر الحق لا تتحقق إلا لمن أوتي المنهج الصحيح، ووفق للطريق العلمي السليم.
ومن النماذج على ذلك أنه لما أورد الآمدي مسألة شكر المنعم عقلا ورد على المعتزلة في الوجوب العقلي [1\ 88 من الإحكام]
علق الشيخ - رحمه الله - على ذلك ببيان مذهب أهل السنة وجمعهم بين النصوص وحكم الشريعة ومقاصدها، فقال - رحمه الله: " والمخالف يعترف بذلك في تعليله الأحكام وبيان حكمها وأسرارها، وخاصة في القياس وبيان ميزة الشريعة الإسلامية على غيرها "
[تعليق رقم 1، 1\ 88 منه]
ومن النماذج المهمة في ذلك عناية الشيخ - رحمه الله - بالإحالة إلى مبحث المقاصد في كتاب الموافقات للشاطبي رحمه الله
[انظر: على سبيل المثال: 3\ 274، 4\ 160 من الإحكام]
المطلب الرابع:
إيراده لثمرة الخلاف:
كان الشيخ - رحمه الله - حريصا على تجلية الثمرة العملية في مسائل الخلاف العلمية، وإذا لم يكن ثم ثمرة أشار إلى أن الخلاف لفص لا تترتب عليه ثمرة عملية.
ومن النماذج على ذلك:
في مسألة المندوب هل هو من الأحكام التكليفية حينما ذكر الآمدي الخلاف في ذلك [1\ 121 من الإحكام]
علق الشيخ - رحمه الله - بقوله: " الخلاف في أن الندب والكراهة والإباحة من الأحكام أو لا؟ اختلاف في تسمية اصطلاحية لا فائدة من ورائه عملية "
[تعليق رقم 3، 1\ 121 منه]
وكذا في مسألة المباح، وهل هو داخل في مسمى الواجب أو لا؟ [1\ 124، 125 من الإحكام]
علق الشيخ - رحمه الله - عليها بأن الخلاف فيها لفظي لا يترتب عليه ثمرة عملية تطبيقية
[تعليق رقم 4، 1\ 124، ورقم 2، 1\ 125 منه]
كل ذلك وغيره كثير دليل على ترسم الشيخ - رحمه الله - المنهج العلمي الرصين مما لا يسمح الاختصار بالاسترسال في بيانه وذكر النماذج عليه، وهي بادية للعيان بحمد الله في كل من قرأ عن الشيخ وقرأ تعليقاته ومنهجه فيها، رحمه الله رحمة واسعة
المبحث الخامس:
المعلم الخامس: تميزه بالدقة واستقلال الشخصية:
الحق أن كل قارئ في تعليقاته - رحمه الله - يلمس ذلك بجلاء، بل لا أبالغ حينما أقول إنك واجد ذلك في كل تعليق له - رحمه الله - فكلها تبين استقلال شخصيته العلمية والمنهجية والأصولية، وحينما يتأملها القارئ يجد الدقة بأجلى صورها.
وسأكتفي بنماذج قليلة محيلا لمن أراد الاستطراد إلى أرقام الصفحات.
لقد كان - رحمه الله - حينما يذكر مسائل الخلاف يعلق مبديا رأيه وشخصيته بأن الراجح كذا، أو الصحيح كذا، مرجحا ومدللا ومعللا ومفصلا.
ففي مسألة التكليف بما لا يطاق [1\ 35 من الإحكام]
يعلق الشيخ - رحمه الله - فيقول: " الصحيح أن التكليف بما لا يطاق لاستحالته عقلا أو عادة غير جائز، ولا واقع شرعا، أما ما لا يطاق لما فيه من الحرج فقد يقع التكليف به إما عقوبة وإما امتحانا واختبارا فقط "
[تعليق رقم 1، 3\ 35 منه]
ومن النماذج على ذلك موقفه المتميز في مسألة الاحتجاج بخبر الواحد،
فقد ذكر الآمدي الحجج للقائلين بإفادته العلم ثم فندها،
فعلق الشيخ - رحمه الله - على ذلك بقوله:
¥