أول تعليق في باب التقليد [تعليق رقم 1، 4\ 221 منه] أحال الشيخ - رحمه الله - القارئ إلى كلام المحققين من أهل العلم في هذه المسألة، الذين حققوا مناطها، وفصلوا القول فيها حسب قوة الدليل وسلامة التعليل، وحذروا من التعصب والتقليد. [12]
وفي التعليق الثاني والثالث فصل الشيخ - رحمه الله - في مسألة من يجوز له التقليد ممن يحرم عليه [تعليق رقم 2، 3، 4\ 211 من الإحكام]
وفي الرابع حث على الدليل، وعظم السنة وعد مساواتها بالإجماع تسامحا أو تحريفا كما أورده المصنف 4\ 211، وانظر: تعليق رقم 4. رحمه الله.
وفي التعليق الخامس لما سوى المصنف بين التقليد والاتباع والاستفتاء وعدها خلافا في عبارة، علق الشيخ رحمه الله بقوله: " ليس هذا مجرد اختلاف في العبارة والاصطلاح بل الاختلاف بين حقائق ومدلولات تلك العبارات يتبعه اختلاف في حكم بعضها واتفاق على حكم بعض آخر "
تعليق رقم 5، 4\ 221
وفي مسائل الاجتهاد فصل الشيخ الكلام فيها بقول نفيس خلاصته أنه لا يخلو منه زمان وأنه لا ينقطع [تعليق رقم 2، 4\ 233]
وتلك دعوة إلى تحري الحق في مسائل الاجتهاد والنظر فيها على حسب أدلة وقواعد الشريعة الغراء.
ولعله بذلك قد تبين حرص الشيخ - رحمه الله - على تحقيق هذا المعلم المهم حرصا على ما دل عليه النقل الصحيح والعقل الصريح، بعيدا عن التعصب والتقليد، وفتحا لباب الاجتهاد بالضوابط الشرعية والشروط المرعية.
المبحث الثامن:
المعلم الثامن: عنايته الفائقة باللغة العربية:
اللغة العربية لغة القرآن الكريم، بها نزل وبها أبان التوحيد وأوضح الأحكام، وبمعهود العرب ومألوفهم وأسلوبهم جاء الخطاب الشرعي، ولما كانت الألفاظ قوالب للمعاني، واللغة وعاء المعنى، فإن للغة العربية أثرا كبيرا وأهمية كبرى ومنزلة عظمى عند العلماء، لا سيما علماء الشريعة، خاصة علماء الأصول؛ لأنها عمدة في معرفة دلالات الألفاظ وبناء الأحكام عليها، كما يحتاجها المجتهدون والمفتون للنظر في دلالات اللفظ، ومن ثم بناء الحكم عليه، ولهذا كانت اللغة مصدرا يستمد منه علم الأصول، ومعينا ثرا للأصوليين يبنون من خلاله استنباطاتهم وأحكامهم [13]
، وكذلك سلك الشيخ رحمه الله، فكان حريصا على اللغة العربية، مجانبا البعد عنها وتركها إلى فلسفات منطقية ومذاهب كلامية يبني عليها بعض الاستدلالات الشرعية.
فها هو - رحمه الله - يعيب على بعض الأصوليين خروجهم عن منهج الكتاب والسنة واللغة العربية إلى صناعة منطقية ومباحث كلامية، لا سيما في الحدود والتعريفات.
فعند إغراق الآمدي في التعريفات للقياس والاعتراضات عليها والمناقشات والإجابات، علق الشيخ - رحمه الله - بقوله: " هذه التعاريف دخلتها الصناعة المنطقية المتكلفة، فصارت خفية غامضة، واحتاجت إلى شرح وبيان، ومع ذلك لم تسلم من النقد والأخذ والرد، ولو سلكوا في البيان طريقة القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعهود العرب ومألوفهم - وهذا هو الشاهد - من الإيضاح بضرب الأمثال لسهل الأمر. . . إلخ "
[تعليق رقم 2، 3\ 190، 191 من الإحكام]
كما اعتنى - رحمه الله - ببناء الدلالات الأصولية - كدلالة الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، وغيرها - على ظاهر اللغة، فتبقى على دلالتها اللغوية حتى يأتي ما يصرفها عنه، كالدلالة الشرعية أو العرفية أو نحوها، وهذا هو المتمشي مع الأصل الذي سار عليه علماء الأصول.
كما كان - رحمه الله - كثيرا ما يعلق على ملحوظات لغوية ونحوية مما تسامح فيه الآمدي، وذلك غَيرَةً من الشيخ - رحمه الله - على اللغة وحرصا على الالتزام بها وبعدا عن اللحن فيها.
والنماذج على ذلك كثيرة لا يسمح المقام بسردها، ولذلك فسأكتفي بالإحالة على أماكن وجودها. [14]
¥