تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا التفصيل المذكور هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره فإنه قال:" يحدُّ من شرب النبيذ متأولاً، ولو رفع إلى الإمام من طلّق البتة، ثم راجعها متأولاً أن طلاق البتة واحدة، والإمام يرى أنها ثلاث لا تفرق بينهما، وقال: هذا غير ذاك، أمره بيِّن في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه e، ونزل تحريم الخمر وشرابهم الفضيح، وقال النبي e: " كل مسكر حرام " ([130] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn130)) فهذا بيِّن وطلاق البتة إنما هو شيء اختلف الناس فيه " ([131] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn131)).

ونصّ الشافعي في " سير الواقدي " - وهو من كتب " الأم " -: " فإذا قُدِّم المرتد ليُقتل، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقتله بعض الولاة، فالذين لا يرون أن يستتاب المرتد فعلى قاتله الكفارة والدية، ولولا الشبهة لكان عليه القود وقد خالفنا في هذا بعض الناس " ([132] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn132)).

والرافعي ([133] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn133)) رحمه الله ردّ على من اعترض على إيجاب الحدِّ على شارب النبيذ وهو مختلف عليه وعدم إيجابه على من وطئ امرأة في النكاح بلا ولي لشبهة الاختلاف فقال: " أدلة تحريم النبيذ أظهر وأيضاً فإن الطبع يدعو إليه، فيحتاج إلى الزجر، ولهذا نوجبه على من يعتقد إباحته أيضاً، وهنا بخلافه " ([134] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn134)).

أما ما ذكره الشاطبي من استشكال المالكية. فقد رد عليهم القرطبي المالكي ([135] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn135)) قائلاً: " لذلك راعى مالك الخلاف، وتوهم بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلاف، وهو جهل، أو عدم إنصاف. وكيف هذا وهو لم يراع كل خلاف وإنما راعى خلافاً لشدة قوته " ([136] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn136)).

المبحث الثامن

ضوابط العمل بمسائل الخلاف

من تصدّى للإفتاء فليعلم أن الله تعالى أمره أن يحكم بما أنزل من الحق فيجتهد في طلبه، ونهاه عن أن يخالفه وينحرف عنه [وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ] [المائدة: 49] فهو مخبر عن الله تعالى، ناقل عنه حكمة ولهذا جعل العلماء للإفتاء والعمل بمسائل الخلاف ضوابط شرعية حتى يكون سائغاً، وهذه الضوابط بعضها ينتهي إلى الوجوب والفرض، وأخرى تعود لدين العالم وإنصافه، ولا تعدوا أن تكون آداباً يتحلى بها المفتي في مواضع النزاع. وفي هذا المبحث جمعت ما استطعت جمعه من هذه الضوابط، إما من صريح أقوال الأئمة، أو من لوازمها، أو آداباً ذكروها في مسالة " آداب المفتي "، لكني أحسبها نافعة كل النفع في ضبط العمل بمسائل الخلاف، وإليكها بالتفصيل:

أولاً: وزن كل مسألة شرعية خلافية بميزان الشريعة، وردها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله e، امتثالاً لقوله تعالى: [فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً] [النساء: 59] والمعنى: رد النزاع والخصام إلى الكتاب والسنة، وهو قول جمهور المفسرين ([137] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn137))، ولو كان لأحد من الأئمة العصمة لأوجب رد ما تنازعوا فيه إليه، كما أوجب طاعتهم في صد الآية في قوله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ] [النساء: 59].

واعلم علم اليقين أن هذا الضابط لا يخفى على مبتدئ في الطلب، فضلاً عن العلماء، ولكني أذكره تذكيراً لأن الالتزام به عسير إلا لمن يسره الله تعالى عليه، فنوازع النفوس، وحب الغلبة والظهور، والتعصب للآراء والمذاهب، كلها أدواء تجعل بينها وبين الحق حاجزاً، ورحم الله الشافعي إذ يقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير