قَالَ الْأَعْمَشُ وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ.
وفي رواية الطحاوي: لقد عدلتمونا بالكلاب والحمير.
هل شبه الإسلامُ المرأةَ بالكلاب والحمير؟
الجواب:
ورد في صحيح مسلم حديثان:
1 - عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود). قلت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ فقال: يا ابن أخي، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني، فقال: (الكلب الأسود شيطان).
2 - حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل).
أ - قولها رضي الله عنها: شبهتمونا بالحمير والكلاب
المراد المشابهة في قطع الصلاة، لا في كل شيء ..
وخذ على ذلك مثلاً:
لو قلنا: أكل لحم الإبل ينقض الوضوء
وخروج البول من السبيل ينقض الوضوء
فهل يعتبر هذا تشبيهاً للأول بالثاني في غير الحكم؟!
ومن ذلك: ما جاء من أننا سنرى ربنا يوم القيامة كما نرى القمر .. فهل هذا تشبيه؟!
ب- لمَ استنكرت أم المؤمنين عائشة الحكم، وقالت ما قالت؟
الجواب: يحتمل أموراً:
1 - أنها استبعدت أن يكون ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقولها: "شبهتمونا" يدل عليه؛ إذ نسبت التشبيه إليهم، فكأنها خطَّأَتهم.
قال أحمد: غلط الشيخ عندنا؛ هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تقول: عدلتمونا بالكلب والحمار؟!.
2 - قال الحافظ: فالظاهر إن عائشة إنما أنكرت إطلاق كون المرأة تقطع الصلاة في جميع الحالات، لا المرور بخصوصه. أهـ
3 - وقد يقال: إنها فهمت من حديثها هذا أن المرأة لا تقطع الصلاة، وأنكرت التسوية بين المرأة والحمار والكلب في هذا الحكم، فقالت ما قالت ظناً منها أن هناك تعارضاً.
4 - قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب":والجواب إن عائشة لم تنكر ورود الحديث، ولم تكن لتكذب أبا هريرة وأبا ذر، وإنما أنكرت كون الحكم باقياً هكذا، فلعلها كانت ترى نسخه بحديثها الذي ذكرته، أو كانت تحمل قطع الصلاة على محمل غير البطلان. أهـ
ج- كيف نجمع بين حديثها وأحاديث القطع؟
إن حديثها لا يعارض تلك الأحاديث، والجمع بينها يكون بالتفريق بين المار واللابث، وقد كانت عائشة قارَّة ولم تكن مارَّة أمامه، وقد أشار إلى هذا الإمام ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه، وترجم ابن حبان في صحيحه: (ذكر البيان بأن صلاة المرء إنما تقطع من مرور الكلب والحمار والمرأة لا كونِهن واعتراضِهن) وذكر فيه حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود.قلت:ما بال الأسود من الأصفر من الأحمر؟ فقال: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان). فتبطل الصلاة بمرور هذه الثلاثة دون وقوفها في قبلة المصلي، وهو رواية عن أحمد.
قال الحافظ ابن رجب: ويدل على أنه يفرق بين المرور والوقوف: أن المصلي مأمور بدفع المار ولو كان حيواناً، وقد وردت السنة بالصلاة إلى الحيوان البارك والمرأة النائمة، فدل على الفرق بين الأمرين. وقد استدل الإمام أحمد بهذا على التفريق بين المرور والوقوف. أهـ
د- معنى (قطع الصلاة) في الحديث هو: أنَّها بطلت، وعلى المصلي أن يعيد؛ ويؤيده ما رواه ابن خزيمة في صحيحه [2/ 21] عن أبي ذر رضي الله عنه: عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (تُعادُ الصَّلاَةُ مِنْ مَمَرِّ الحِمَارِ، وَالمرْأةِ، وَالكَلْبِ الأسْوَدِ).
وأعاد ابن عمر -رضي الله عنه- ركعة الصلاة مِن جروٍ مرَّ بين يديه في الصلاة. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه [1/ 282]، وصححه ابن حزم في (المحلى [2/ 323]).
وممن قال بأن القطع هنا هو إبطالها: أبو هريرة وأنس وابن عباس في رواية عنه، وحكي عن أبي ذر وابن عمر، وقال به أبو الأحوص وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري.
وهذا القول رواية في مذهب أحمد بن حنبل، واختارها ابن تيمية كما في الاختيارات ص 59، وقال في "مجموع الفتاوى": مع أن المتوجه أن الجميع يقطع، وأنه يفرق بين المار واللابث. أهـ
وقال ابن القيم في "زاد المعاد": ومعارض هذه الأحاديث قسمان: صحيح غير صريح، وصريح غير صحيح، فلا يترك العمل بها لمعارضٍ هذا شأنه. أهـ
هـ - اعتراضات وجوابها:
1 - تأول الجمهور القطع في الأحاديث الأولى بأنه نقص الصّلاة لشغل قلب المصلّي بما يمر بين يديه، وهذا فيه ضعف؛ لأن شغل القلب لا يختص بالثلاثة المذكورة.
2 - حديث: (لا يقطع الصلاة شيء) ضعيف.
3 - حديث أم سلمة قالت: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، هَكَذَا، فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (هُنَّ أَغْلَبُ) أحمد وابن ماجه.
يجاب عنه بأنه ضعيف، ولو صح فإن زينب كانت صغيرة، وليست امرأة بالغة .. وقد جاءت بعض الروايات تقيد أحاديث القطع بالمرأة الحائض. والله أعلم
وبهذا يتبين أن الأمر بيان لحكم، وأنه لا تشبيه فيه من كل وجه، والحمد لله رب العالمين.
¥