تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مناظرة هادئة بين ابن قتيبة ورجل سأله عن مسألة: (الوضوء من مسِّ الذكر) ... مهمة جدًا

ـ[أبوحاتم]ــــــــ[21 - 10 - 03, 04:37 ص]ـ

سأل رجلٌ – ابن قتيبة - فقال: من أين قلت إنَّ الوضوء من مسِّ الذكر هو غسل اليد؟.

* فقلت – أي ابن قتيبة - لحديث طلْق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما هو بضعة منك))

فقال: وأي حجة لك في ذلك؟

فقلت: إنّ الحجة فيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب في مس الذكر في حديث طلْق وضوءً وأوجبه في حديث بُسْرَةَ في قوله: ((من مسَّ فرجه فليتوضأ)) وهذا تناقض.

قال: فإن حديث طلق يطعن فيه أصحاب الحديث.

قلت: من وجهٍ؟

قال: لأن طلقاً أعرابي.

قلت: فما بال الأعراب؟ أليس هم النقلة لكثيرٍ من سُنن النبي صلى الله عليه وسلم إلينا؟ أوليس منهم الذين قال الله عز وجل فيهم: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله} الآية؟ وبُسْرَةَ أولى بأن يضعف الحديث بها؛ لأنها امرأة، وقد جعل الله شهادة امرأتين شهادة رجل.

قال: فإن حديث طلق قد طعن فيه، وليس بصحيح.

قلت: كيف يكون غير صحيح، وجلَّة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكبراؤهم، والتابعون عليه؟ وحديث بسرة ليس عليه إلا ابن عباس، وعدد يسير.

فإن كان قوم قد طعنوا في الحديث فقد طعن آخرون في حديث بسرة، وضعفوه باختلاف الألفاظ فيه، فمرة مروان يقول: حدثتني بسرة، ومرة بعث إليها شرطياً يسألها، فأرسلت إليه معه بالجواب، ومروان ليس كغيره.

يقول لنا إسحاق: حديث بسرة أثبتُ الأحاديث في الوضوء من مس الذكر، وإذا كان مع هذا الاضطراب أثبتَ الأحاديث، فما ظنك بغيره؟

قال: فنعمل على أن الحديثين قد تكافأا، أو أحدهما ناسخٌ للآخر.

قلت: لا يجوز هذا، ولا يقوله من يعلم؛ لأن الله عز وجل إنما ينسخ الثقيل بالخفيف، والعسير باليسير، قال عز وجل: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير من أو مثلها} أي نأت بخير منها في الخفة والسهولة.

وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ((نهيه عن زيارة القبور)) فلما ثقُل ذلك على الناس أذن لهم في الزيارة.

وكذلك نهيه عن ادِّخار لحوم الأضاحي ثم أذن لهم في ادخارها.

وكذلك قوله في الهلال ((إذا غُمَّ عليكم فاقْدروا له)) فلما خفي ذلك على أكثرهم، وشق على من وضح عنده قال:

((إن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة)) وحديث بسرة فيه الضِّيق والمشقة، فلأَنْ ينسخ بحديث طلقٍ أولى، وأحرى. (؟!)

قال: فإن الناس على قديم الأيام وحديثها لم يختلفوا في أن الوضوء الذي أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم من مس الذكر إنما هو وضوء الصلاة، ولم يَقُل أحدُ إنه غسلُ اليدِ.

قلت: أما من علم معنى الوضوء من المتقدمين فقد عرف أنهُ غسل اليد، فلم يأخذ به، ولو علم أن ذلك تأويله لم يُفْتِ بأنه لا وضوء في مس الذكر، ولا يجوز أن يكون لم يعلم بحديث بسرة، لأن حديثها لو لم يكُن منتشراً مستفيضاً لم يسْألْ أكابر أصْحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من مس الذكر، بل لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنه، فيقول: ((إنما هو بضعة منك)ويقول: ((حِذْيَةُ منك)). ولكنه لما قال أولاً: ((من مس ذكره فليتوضأ))، وتوهمه قوم وضوء الصلاةِ، وعرف قوم أنه غسل اليد، واختلفوا، سألوا.

وقد روي أيضاً حديث يشهد على تأويلنا، وإن كان في إسناده مقالٌ ذكرته ليعلم أني قد سبقتُ إلى هذا التأويل: حدثني عبد الله بن أبي سعد أبو محمد، عن دواد بن رُشَيد، عن مُطرِّف بن مازن، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي المجالد، عن أبي الحكم الدمشقي، أن عبادة بن نُسَيّ حدث عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، عن معاذ بن جبل أنه قال: (ليس الوضوء من الرعاف، والقيء، ومس الذكر، وما مسته النار بواجب.فقيل له: إن ناساً يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((توضؤوا مما مست النار)).

فقال إن قوماً سمعوا، ولم يعوا. كنا نسمي غسل الفم واليدين وضوءً، وليس بواجب.

وأما المتأخرون من أصحاب الحديث فلا عِلم لهم بمعنى الوضوء في اللغة وإنما يعرفون وضوء الصلاة، (؟!) فإذا ورد عليهم معنى الوضوء في حديث ظنوا أنه ذلك، وقد قال قتادة: غسل اليد وضوء، يريد من مس الذكر، والإبط، ولا يجوز أن يكون أراد غسل اليد وضوء قبل الطعام وبعده، لأنه لا يكون في الكلام فائدة لو أراد ذلك. وقال عبد الله بن عمرو مثل قوله، وَكيعٌ: وضوء الجُنبِ قبل منامه غسله يده.

فإذا كان الحديثين صحيحين كانا على تأويلك متناقضين، ولا يجوز أن يتناقض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن ادعيت النسخ بطل حديث بسرة، وثبت حديث طلقٍ؛ لأنه لا يجوز أن يكون الناسخ غيره لما ثبت، وإذا كان الوضوء غسل اليد ما تأولت، سلم الحديثان من التناقض؛ لأن الوضوء يكون في حديث بسرة فضيلة، وتأديبا، ويكون في حديث طلق وضوء الصلاة الواجب، وإن بطل الحديثان جميعاً فنحن مستغنون عن حديث طلق، لأنا لا نجد في وضوء الصلاة من مس الذكر حجة من كتاب، ولا سنة، ولا نظر، فنحن على الأصل، ومعنا جلَّة المهاجرين، والأنصار، والتابعين، وأكثر فقهاء المسلمين المتقدمين، ولست مسغنياً بمذهبك إن بطل حديث بسرة عن حديث تشُده به أصح منه، ولست تجده على ما ذكره إسحاق إلا أوهى، وأضعف.

(المرجع (كتاب المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير)

لابن قتيبة ص 90 - 96]

# بعد هذا البيان الشافي من خطيب أهل السنة (ابن قتيبة) نقول للإخوة الأعضاء: هل من مزيد على ما ذكر في هذه المسألة موافقة، أو رداً، لأنه قد يوجد في أدلة ابن قتيبة بعض ما يحتاج إلى توضيح وجلاء.

دمتم بخير ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير