تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كفر دون كفر مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا - المحدّث أحمد شاكر

ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[14 - 10 - 03, 12:19 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه. ورواه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (1). انتهى كلام ابن كثير رحمه الله، وكان آخر ما قاله من كلام طويل تفسيرا لقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.

قال أحمد شاكر رحمه الله:

(1) الحاكم 2/ 313، ولفظه: "إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر دون كفر". ووافقه الذهبي على تصحيحه.

وهذه الآثار عن ابن عباس وغيره، مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا، من المنتسبين للعلم، ومن غيرهم من الجرآء على الدين: يجعلونها عذرا أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة، التي ضربت على بلاد الإسلام.

وهناك أثر عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه، فيما كان يصنع بعض المراء من الجور، فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة، عمدا إلى الهوى، أو جهلا بالحكم. والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر، فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء، ليكون ذلك عذرا لهم فيما يرون من الخروج عليهم بالسيف. وهذان الأثران رواهما الطبري: 12025، 12026. وكتب عليهما أخي السيد محمود محمد شاكر تعليقا نفيسا جدا، قويا صريحا. فرأيت أن أثبت هنا نص أولى روايتي الطبري، ثم تعليق أخي على الروايتين:

فروى الطبري: 12025، عن عمران بن حدير، قال: "أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس، فقالوا: يا أبا مجلز، أرأيت قول الله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أحق هو؟ قال: نعم، قالوا: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} أحق هو؟ قال: نعم، قالوا: {ومن مل يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} أحق هو؟ قال: نعم، فقالوا: يا أبا مجلز، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون، وإليه يدعون، فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله، ولكنك تفْرَق! قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم ترون هذا ولا تحرّجون! ولكنها أُنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك، أو نحوا من هذا".

ثم روى الطبري:12026، نحو معناه. وإسناداه صحيحان. فكتب أخي السيد محمود، بمناسبة هذين الأثرين ما نصه:

"اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة. وبعد، فإن أهل الريب والفتن من تصدروا للكلام في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي انزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام. فلما وقف على هذين الخبرين، اتخذهما رأيا يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها، والعامل عليها.

والناظر في هذين الخبرين لا محيص له من معرفة السائل والمسئول، فأبو مجلز (لاحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي ثقة، وكان يحب عليا رضي الله عنه. وكان قوم أبي مجلز، وهم بنو شيبان، من شيعة علي يوم الجمل وصفين. فلما كان أمر الحكمين يوم صفين، واعتزلت الخوارج، كان فيمن خرج على علي رضي الله عنه طائفة من بني شيبان، ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل. وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز، ناس من بني عمرو بن سدوس (كما في الأثر:12025)، وهم نفر من الإباضية (كما في الأثر:12026)، والإباضية من جماعة الخوارج الحرورية، هم أصحاب عبد الله بن إباض التميمي، وهم يقولون بمقالة سائر الخوارج في التحكيم، وفي تكفير علي رضي الله عنه إذ حكّم الحكمين، وأنّ عليا لم يحكم بما أنزل الله في أمر التحكيم. ثم إنّ عبد الله بن إباض قال: إنّ من خالف الخوارج كافر ليس بمشرك، فخالف أصحابه، وأقام الخوارج على أنّ أحكام المشركين تجري على من خالفهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير