تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[07 - 12 - 03, 06:29 م]ـ

بارك الله فيكم ونفع بكم

قال الأخ المحرر (* أرجو من الإخوة تزويدي بمراجع لهذه المسألة، لأني في طور الكتابة فيها، وقد جمعت فيها كلاماً لبعض أهل العلم.)


قال الجصاص في أحكام القرآن

واختلفوا في حكم الحاكم بعقد أو فسخ عقد بشهادة شهود إذا علم المحكوم له أنهم شهود زور، فقال أبو حنيفة: " إذا حكم الحاكم ببينة بعقد أو فسخ عقد مما يصح أن يبتدأ فهو نافذ ويكون كعقد نافذ عقداه بينهما وإن كان الشهود شهود زور " وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: حكم الحاكم في الظاهر كهو في الباطن ". وقال أبو يوسف: فإن حكم بفرقة لم تحل للمرأة أن تتزوج ولا يقربها زوجها أيضا " قال أبو بكر: روي نحو قول أبي حنيفة عن علي وابن عمر والشعبي، ذكر أبو يوسف عن عمرو بن المقدام عن أبيه أن رجلا من الحي خطب امرأة وهو دونها في الحسب، فأبت أن تزوجه، فادعى أنه تزوجها وأقام شاهدين عند علي، فقالت: إني لم أتزوجه، قال: قد زوجك الشاهدان؛ فأمضى عليهما النكاح. قال أبو يوسف: وكتب إلي شعبة بن الحجاج يرويه عن زيد أن رجلين شهدا على رجل أنه طلق امرأته بزور، ففرق القاضي بينهما، ثم تزوجها أحد الشاهدين، قال الشعبي: ذلك جائز، وأما ابن عمر فإنه باع عبدا بالبراءة، فرفعه المشتري إلى عثمان، فقال عثمان: أتحلف بالله ما بعته وبه داء كتمته؟ فأبى أن يحلف؛ فرده عليه عثمان، فباعه من غيره بفضل كثير، فاستجاز ابن عمر بيع العبد مع علمه بأن باطن ذلك الحكم خلاف ظاهر، وأن عثمان لو علم منه مثل علم ابن عمر لما رده، فثبت بذلك أنه كان من مذهبه أن فسخ الحاكم العقد يوجب عوده إلى ملكه وإن كان في الباطن خلافه. ومما يدل على صحة قول أبي حنيفة في ذلك حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية ولعان النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، ثم قال: {إن جاءت به على صفة كيت وكيت فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به على صفة أخرى فهو لشريك ابن سحماء الذي رميت به فجاءت به على الصفة المكروهة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من الأيمان لكان لي ولها شأن} ولم تبطل الفرقة الواقعة بلعانهما مع علمه بكذب المرأة وصدق الزوج، فصار ذلك أصلا في أن العقود وفسخها متى حكم بها الحاكم مما لو ابتدأ أيضا بحكم الحاكم وقع، ويدل على ذلك أيضا أن الحاكم مأمور بإمضاء الحكم عند شهادة الشهود الذين ظاهرهم العدالة، ولو توقف عن إمضاء الحكم بما شهد به الشهود من عقد أو فسخ عقد لكان آثما تاركا لحكم الله تعالى؛ لأنه إنما كلف الظاهر ولم يكلف علم الباطن المغيب عند الله تعالى، وإذا مضى الحكم بالعقد صار ذلك كعقد مبتدأ بينهما. وكذلك إذا حكم بالفسخ صار كفسخ فيما بينهما؛ وإنما نفذ العقد والفسخ إذا تراضى المتعاقدان بحكم الله عز وجل بذلك، وكذلك حكم الحاكم. فإن قيل: فلو حكم بشهادة عبيد لم ينفذ حكمه إذا تبين مع كونه مأمورا بإمضاء الحكم به، قيل له: إنما لم ينفذ حكمه من قبل أن الرق معنى يصح ثبوته من طريق الحكم، وكذلك الشرك والحد في القذف، فجاز فسخ حكم الحاكم به بعد وقوعه؛ ألا ترى أنه يصح قيام البينة به والخصومة فيه عند الحاكم؟ فلذلك جاز أن لا ينفذ حكم الحاكم بشهادة هؤلاء، لوجود ما ذكرنا من المعاني التي يصح إثباتها، من طريق الحكم، وأما الفسق وجرح الشهادة من قبل أنهم شهود زور، فليس هو معنى يصح إثباته من طريق الحكم ولا تقبل فيه الخصومة، فلم ينفسخ ما أمضاه الحاكم، فإن ألزمنا على العقد وفسخه الحكم بملك مطلق ولم نبح له أخذه لم يلزمنا ذلك؛ لأن الحاكم عندنا إنما يحكم له بالتسليم لا بالملك؛ لأنه لو حكم بالملك لاحتيج إلى ذكر جهة الملك في شهادة الشهود، فلما اتفق الجميع على أنه تقبل شهادة الشهود من غير ذكر جهة الملك دل ذلك على أن المحكوم به هو التسليم، والحكم بالتسليم ليس بسبب لنقل الملك؛ فلذلك كان الشيء باقيا على ملك مالكه. وقوله: {لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} يدل على أن ذلك فيمن علم أنه أخذ ما ليس له، فأما من لم يعلم فجائز له أن يأخذه بحكم الحاكم له بالمال إذا قامت بينة، وهذا يدل على أن البينة إذا قامت بأن لأبيه الميت على هذا ألف درهم أو أن هذه الدار تركها الميت ميراثا، أنه جائز للوارث أن يدعي ذلك ويأخذه بحكم الحاكم له به وإن لم يعلم صحة ذلك؛ إذ هو غير عالم بأنه مبطل فيما يأخذه، والله تعالى إنما ذم العالم به إذا أخذه بقوله: {لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} ومما يدل على نفاذ حكم الحاكم بما وصفنا من العقود وفسخها، اتفاق الجميع على أن ما اختلف فيه الفقهاء إذا حكم الحاكم بأحد وجوه الاختلاف نفذ حكمه وقطع ما أمضاه تسويغ الاجتهاد في رده، ووسع المحكوم له أخذه ولم يسع المحكوم عليه منعه، وإن كان اعتقادهما خلافه، كنحو الشفعة بالجوار والنكاح بغير ولي ونحوهما من اختلاف الفقهاء.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير