ثم افترقت الإباضية بعد عبد الله بن إباض الإمام افتراقا لا ندري معه ـ في أمر هذين الخبرين ـ من أي الفرق كان هؤلاء السائلون، بيد أنّ الإباضية كلها تقول: إنّ دور مخالفيهم دُور توحيد، إلاّ معسكر السلطان فإنه دار كفر عندهم. ثم قالوا أيضا: إنّ جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان، وأنّ كل كبيرة فهي كفر نعمة، لا كفر شرك، وأن مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلدون فيها.
ومن البيِّن أنّ الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون ان يلزموه الحجة في تكفير الأمراء، لأنهم في معسكر السلطان، ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عن ارتكابه. ولذلك قال لهم في الخبر الأول (رقم: 12025): "فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً"، وقال لهم في الخبر الثاني: "إنهم يعملون بما يعملون ويعلمون أنه ذنب".
وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالإحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه.
والذي نحن فيه اليوم، هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله، بل بلغ الأمر مبلغ الإحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على احكام الله المنزلة، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولعلل وأسباب انقضت، فسقطت الأحكام كلها بانضائها. فأين هذا مما بيناه من حديث أبي مجلز والنفر من الإباضية من بني عمرو بن سدوس!!
ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من احكام الشريعة، فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أنْ سنّ حاكم حكما وجعله شريعة ملزمة للقضاء بها. هذه واحدة. وأخرى: أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها، فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة. وإما ان يكون حكم بها هوى ومعصية، فهذا ذنب تناله التوبة، وتلحقه المغفرة. وإما أن يكون حكم به متأولا حكما خالف به سائر العلماء، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب، وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.
وأما أن يكون كان في زمن أبي مجلز أو قبله او بعده حاكم حكم بقاء في أمر جاحدا لحكم من أحكام الشريعة، او مؤثرا لأحكام اهل الكفر على أحكام أهل الإسلام، فذلك لم يكن قط. فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه. فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها، وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان، أو احتيالا على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله: أن يستتاب، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله، ورضي بتبديل الأحكام = فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين.
وكتبه محمود محمد شاكر".
المصدر: عمدة التفسير، لأحمد شاكر رحمه الله. تفسير الآية 44 من سورة المائدة.
http://www.islammessage.com/ar/modules.php?name=News&file=article&sid=1837
ـ[المجيدري]ــــــــ[14 - 10 - 03, 01:16 ص]ـ
اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة. وبعد، فإن أهل الريب والفتن من تصدروا للكلام في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي انزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام
ـ[محب أهل العلم]ــــــــ[14 - 10 - 03, 06:03 ص]ـ
قال الشيخ شاكر رحمه الله: (يجعلونها عذرا أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة، التي ضربت على بلاد الإسلام.)
فظاهر كلامه في من أباح الحكم بغير ما أنزل الله! ولا أعلم أحدا أباحة
واما قوله (أو عذرا) أي في الحكم بها وجوزاها! ولا قائل بذلك
فأن أهل العلم على فريقين بين مكفر ومفسق
ـ[المضري]ــــــــ[14 - 10 - 03, 06:41 ص]ـ
اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة. وبعد، فإن أهل الريب والفتن من تصدروا للكلام في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي انزلها في كتابه، وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام.