فقوله تعالى (قل): أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وقوله تعالى (يدنين عليهن).
قال العلامة الألوسي في تفسيره: (الإدناء: التقريب، يقال: أدناني، أي: قربني، وضمن معنى الإرخاء أوالسدل ولذا عُدِّيَ بـ[على]) روح المعاني (22/ 88).
وقال العلامة المودودي في تفسيره لسورة الأحزاب: (الجلباب في اللغة العربية: الملحفة والملاءة واللباس الواسع، والإدناء يعني: التقريب واللف، فإن أضيف إليه حرف الجر [على] قُصد به الإرخاء والإسدال من فوق، وبعض المترجمين والمفسرين في هذه الأيام غلبهم الذوق الغربي، فترجموا هذا اللفظ بمعنى الالتفاف لكي يتلافوا حكم ستر الوجه، لكن الله لو أراد ما ذكره هؤلاء السادة لقال: [يدنين إليهن]، فإن من يعرف اللغة العربية لا يمكن أن يسلم بأن [يدنين عليهن] تعني أن يتلففن أنفسهن فحسب، هذا بالإضافة إلى قوله [جلابيبهن] يحول أكثر وأكثر دون استخراج هذا المعنى) ص (161). اهـ.
قال العلامة أبو هشام الأنصاري (كما في كتاب عودة الحجاب 3/ 213): (إن الله تعالى لم يقل [يتجلببن] وإنما قال [يدنين] ومعلوم أن الإدناء ليس هو نفس التجلبب، بل هو أمر زائد على التجلبب، فلا يحصل الامتثال بهذا الأمر بمجرد التجلبب، بل لابد من الإتيان بقدر زائد عليه يصح أن يطلق عليه كلمة الإدناء.
والإدناء لا يطلق على لبس الثياب، ثم إنه لا يتعدى بعلى، بل يتعدى باللام، ومِن، وإلى، فتعديه هنا بعلى لتضمينه معنى فعل آخر، وهو الإرخاء، والإرخاء يكون من فوق، فالمعنى: يرخين شيئاً من جلابيبهن من فوق رؤوسهن على وجوههن، أما قولنا [على وجوههن]: فلأن الجلباب لابد أن يقع على عضو عند الإرخاء، ومعلوم بالبداهة أن ذلك العضو لا يكون إلا الوجه، وأما أن يكون على الجبهة فقط فمعلوم أن هذا القدر القليل من عطف الثوب لا يسمى إرخاء (أي أن المراد بالإدناء هو الإرخاء لا مجرد التجلبب)، أيضاً: أن الله تعالى أتى بكلمة [مِن] التبعيضية قبل الجلابيب، فمقتضاه أن الإدناء يكون بجزء من الجلباب مع أن التجلبب يطلق على مجموع هيئة لبسه).
وقال أيضاً (ص 218): (قوله تعالى [يدنين]: صيغة مضارع للأمر، ومعلوم أن الأمر للوجوب، وأنه إذا ورد بصيغة المضارع يكون آكد في الدلالة على الوجوب.
وقوله تعالى: {قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين}.
قال العلامة الشنقيطي في تفسيره: (في الآية الكريمة قرينة واضحة على أن قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} يدخل في معناه ستر وجوههن بإدناء جلابيبهن عليها، والقرينة المذكورة هي قوله تعالى: {قل لأزواجك} ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن لا نزاع فيه بين المسلمين، فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين يدل على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب كما ترى) أضواء البيان (6/ 586).
وقوله تعالى {ونساء المؤمنين} يدخل فيه القواعد، ويخرج منه الإماء لما يلي:-
1 - قوله تعالى بعدها: {ذلك أدنى أن يعرفن}.
قال العلامة الشنقيطي في تفسيره: (هي معرفة بالصفة لا بالشخص، وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرآن كما ترى، فقوله {يدنين عليهن من جلابيبهن} لأن إدناءهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر فهو أدنى وأقرب لأن يُعرفن [أي: يُعلم أنهن حرائر فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرضون للإماء]، وهذا هو الذي فسر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز بل هو حرام، ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله تعالى: {والذين في قلوبهم مرض} في قوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم} إلى قوله تعالى: {وقتلوا تقتيلا}.
ومما يدل على أن المتعرض لما لا يحل من النساء من الذين في قلوبهم مرض قوله تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض .. }، وذلك معنى معروف في كلام العرب.
وفي الجملة: فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زي الإماء ليهابهن الفساق، ودفع ضرر الفساق عن الإماء لازم وله أسباب أخر ليس منها إدناء الجلابيب) أضواء البيان (6/ 586).
2 - الأحاديث والآثار الدالة على التفريق بين الحرة والأمة.
وقد استثنى الله تعالى [القواعد] من وجوب إدناء الجلباب على الوجه إلى استحبابه (((بنفي الجناح عنهن وهو الإثم))) في قوله تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم}.
قلتم: وأخيرا:
سؤال هام: هل قرأت كتب الشيخ الألباني في المسألة؟
عن نفسي لم أقرأ سوى بعض (جلباب المرأة المسلمة).
أقول: نعم قرأته.
¥