الوجه الأول: إن قابض الشيك أو الإشعار قد يتأخر عن تقديمه إلى المصرف، وقد يزيد السعر أو ينقص في هذه الفترة قليلاً، فيتضرر أحدهما، فلا يتحقق الوصف الذي بينه رسول الله § في حديث ابن عمر " لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترّقا، وبينكما شيء " [60]
ويجاب عن هذا الوجه من الاعتراض: بأن المصرف المراسل أو فرعه مستعدان للوفاء بقيمة الشيك أو بمقتضى الإشعار، طالما أن الشيك أو البرقية تحمل تاريخ اليوم الذي تمّ فيه الصرف، وإن تأخر في تقديمه؛ فإن هذا التأخير ليس من عمل المصرف، بل هو من عمل العميل، كما أن التأخير لا يكون إلا لمصلحة أو لعذر [61].
الوجه الثاني: إن قبض الشيك ليس في قوة قبض محتواه؛ لأن التصرف الذي يملكه حامل الشيك من قبض محتواه هو نهائي، في حين أن قابض الشيك يمارس عند قبض الشيك بعض التصرفات، وهي الموقوفة على الوفاء الفعلي، وقد يكون الشيك بدون رصيد، وبذلك يظهر الفارق [62].
الجواب عن هذا الاعتراض: بأن هذا الفرق لا يؤثر في الإلحاق؛ حيث إن قبض المحتوى (النقد) هو الآخر ليس بالنهائي؛ إذ قد يكون مزوراً أو معيباً؛ بل إن مخاطر الشيك بدون رصيد قد تقل عن مخاطر الأوراق النقدية المزيفة؛ من حيث إن النقود لا يمكن معرفة أول من زَوَّرها؛ لأنها تتداول بالمناولة، في حين أن الشيك يتداول بطريق يتمكن فيه من معرفة من تداوله، حيث إن كثيراً من الدول تفرض عقوبة جنائية على محرر الشيك بدون رصيد، وهذه العقوبة تقف حاجزاً لمُصدره بدون رصيد، وعلى ذلك يمكن القول بأن مسئولية ساحب الشيك عن صدق محتواه يشبه ضمان الدول للأوراق النقدية التي تصدرها، وما بينهما من فروق لا يؤثر في الإلحاق [63].
ب ـ مناقشة أدلة القول الثاني:
نوقشت أدلة القائلين بعدم صحة القبض الحكمي في الصرف من وجوه ثلاثة:
1 ـ إنه لا يستقيم الاستدلال بالقياس على موقف سيدنا عمر ـ رضي الله عنه؛ لأن سيدنا عمر أراد من المتصارفين أن لا يتفرقا إلا عن قبض، وهنا لا تفرق إلا بقبض الشيك [64]
2 ـ قولهم إن القبض الشرعي هو الذي ذكره النبي § بقوله " خذ وهات "، ولو كان هناك قبض آخر لذكره.
ويجاب عنه: بأن القبض ليس له حد شرعي، وأن مرده إلى عرف الناس واصطلاحهم، كما دلّ على ذلك كلام ابن تيمية السابق الذكر [65].
3 ـ ونوقش قولهم بأن الشيك في حدّ ذاته ليس هو مقابل بدل الصرف؛ بل نائب عنه: "بأن غاية القبض إنما هو إثبات اليد، فإن كان ذلك حاصلاً فلا ينظر إلى الشكل في المبادلة، لذلك فقد أجاز الفقهاء الصرف إذا كان في الذمة، كما في مسالة اقتضاء الدين، سواء كان أحدهما ديناً والآخر نقداً [66]، أو كان المبلغان عبارة عن دينين في ذمة كل من المتصارفين، ثم تطارحا صرفاً" [67].
خامساً: القول الراجح:
يبدو لي أن الراجح هو القول الثالث، وهو أنه يجب الفصل بين عملية الصرف وعملية التحويل، ويكفي القبض الحكمي في الصرف باعتباره حلاً وسطاً بين القولين السابقين، إذ إن القول الأول الذي يصحح ـ المعاملة كما هي جارية في البنوك ـ، فيه دفاع عن شرعية أعمال هذه البنوك، والمصارف، دون النظر إلى العملية من الناحية الشرعية.
وفي القول الثاني القائل بضرورة التقابض الحقيقي في مجلس العقد، تعسير على الناس، وإعاقة لسير الحركة التجارية؛ إذ إن القبض الميسر في عصرنا هو الذي يكون في معنى الحس، كقبض الشيك، وليس هناك من النصوص الشرعية ما يمنعه، لا سيما وأن الشارع لا ينكر تغيّر الأحكام بتغيّر الزمان.
وبناء عليه إذا تم إجراء عملية الصرف أولاً؛ بأن يتسلم طالب التحويل المبلغ الذي يريد تحويله حسياً، أو في معنى الحس، يصير الأمر إلى الإجراءات المتخذة في الحالة الأولى من كون التحويل يجري بنقد واحد معين فتكون سفتجة، وغاية الأمر أن العملية تكون صرفاً و سفتجة.))
وبامكانكم متابعة قراءة هذا البحث بتحميله من هذا الرابط:
http://www.omelketab.net/master.asp?filetype=4&pageorder=1
وهو في موقع ام الكتاب:
http://www.omelketab.net/