تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

صلاة/ حائض إلا بخمارٍ)، وقال في الحديث الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي فهو مردود غير مقبول. فمن اتقى الكفر وعمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم. لم يقبل منه، وإن صلى بغير وضوء لم يقبل منه؛ لأنه ليس متقيًا في ذلك العمل، وإن كان متقيا للشرك.

وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 6]، وفي حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله، أهو الرجل يزني ويسرق، ويشرب الخمر، ويخاف أن يعذب؟ قال: (لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق، ويخاف ألا يقبل منه).

وخوف من خاف من السلف ألا يتقبل منه، لخوفه ألا يكون أتى بالعمل على وجهه المأمور، وهذا أظهر الوجوه في استثناء من استثنى منهم في الإيمان، وفي أعمال الإيمان كقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله، وصليت إن شاء الله؛ لخوف ألا يكون آتى بالواجب على الوجه المأمور به، لا على جهة الشك فيما بقلبه من التصديق، لا يجوز أن يراد بالآية: أن الله لا يقبل العمل إلا ممن يتقي الذنوب كلها؛ لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متقيًا، فإن كان قبول العمل مشروطًا بكون الفاعل حين فعله لا ذنب له، امتنع قبول التوبة، بخلاف ما إذا اشترط التقوى في العمل، فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة، وهو حين شروعه في التوبة منتقل من الشر إلى الخير،/ لم يخلص من الذنب، بل هو متق في حال تخلصه منه.

وأيضًا، فلو أتى الإنسان بأعمال البر وهو مصر على كبيرة، ثم تاب، لوجب أن تسقط سيئاته بالتوبة، وتقبل منه تلك الحسنات، وهو حين أتى بها كان فاسقًا.

وأيضًا، فالكافر إذا أسلم وعليه للناس مظالم من قتل، وغصب، وقذف ـ وكذلك الذمي إذا أسلم ـ قبل إسلامه مع بقاء مظالم العباد عليه، فلو كان العمل لا يقبل إلا ممن لا كبيرة عليه، لم يصح إسلام الذمي حتى يتوب من الفواحش والمظالم، بل يكون مع إسلامه مخلدًا، وقد كان الناس مسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهم ذنوب معروفة وعليهم تبعات، فيقبل إسلامهم، ويتوبون إلى الله ـ سبحانه ـ من التبعات. كما ثبت في الصحيح: أن المغيرة بن شعبة لما أسلم وكان قد رافق قومًا في الجاهلية فغدر بهم، وأخذ أموالهم وجاء فأسلم، فلما جاء عروة بن مسعود عام الحديبية، والمغيرة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف، دفعه المغيرة بالسيف فقال: من هذا؟ فقالوا: ابن أختك المغيرة، فقال: يا غُدَرُ، ألست أسعى في غَدْرتكَ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الإسلام فأقبله، وأما المال فلست منه في شيء)، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52]، وقالوا/ لنوح: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} [الشعراء: 111: 113]، ولا نعرف أحدًا من المسلمين جاءه ذمي يسلم فقال له: لا يصح إسلامك حتى لا يكون عليك ذنب، وكذلك سائر أعمال البر من الصلاة والزكاة.

السبب الرابع ـ الدافع للعقاب ـ: دعاء المؤمنين للمؤمن، مثل صلاتهم على جنازته، فعن عائشة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه). وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه) رواهما مسلم. وهذا دعاء له بعد الموت. فلا يجوز أن تحمل المغفرة على المؤمن التقى الذي اجتنب الكبائر، وكفرت عنه الصغائر وحده، فإن ذلك مغفور له عند المتنازعين. فعلم أن هذا الدعاء من أسباب المغفرة للميت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير