غير أنني أقترح تغيير العنوان إلى: سلسلة مقالات في كمالات النبي صلى الله عليه وسلم، ... أو ما شابه هذا العنوان مما يفيد أنه مجموعة مقالات ...
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[17 - 09 - 06, 01:16 ص]ـ
هذه المقالة الخامسة في كمالات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، للإمام السيد عبد الرحمن الكتاني رحمه الله تعالى:
البعثة المحمدية إسعاد للبشرية
يحدثنا التاريخ أن العالم قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان مصابا بكثير من الأمراض الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، نظرا لفقدان الأئمة الهادين، والدعاة الصادقين، والمشرعين المقتدرين، والقضاة العادلين.
فالأمة العربية كانت أمة وثنية أشركت الأصنام مع الله في العبادة، وقالت: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. ولم تكن لها قيادة سياسية رشيدة موحدة، ولا علماء يحاربون الجهل المتفشي في جميع جهاتها، ذلك الجهل الذي أدى بها إلى الانحطاط في جل مستوياتها، وكان اقتصادها يعتمد على سوريا واليمن، وبدونهما لا يمكن أن يزدهر، ومن أجل ذلك كانت أسواق قريش تعتمد على رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام بواسطة القوافل التي كانت تقطع الأيام العديدة في هاتين الرحلتين كل سنة ذهابا وإيابا، وكانت الدول المجاورة لهما تستعمل بعض ممالك العرب لصالحها، ولم يقدر لدين من الأديان الفوز والغلبة. نعم؛ كان للمسيحية واليهودية أشياع على ما فيها من عوج.
والأمة الفارسية تنكرت لعبادة ربها، وعوضتها بعبادة الشمس، ولم تكن سياستها الداخلية والخارجية رشيدة، ومن أجل ذلك تسببت لها في كثير من الفتن داخل المملكة وخارجها، وقل ما تشاء من الظلم والفساد والإقطاع والانحلال الخلقي.
والأمة الرومانية: فشا فيها النظام الإقطاعي والطبقي، والانحلال الخلقي، وأكثر ملوكها من اللهو والترف، ومجاوزة الحد في المآكل والمشارب، والملابس والمساكن والمراكب، والاتصالات غير الشرعية بالنساء، واستغراق جل الأوقات في الغناء، حتى تسبب لهم ذلك في كثير من الحروب الداخلية والخارجية.
والدولتان الفارسية والرومانية هما الدولتان العظيمتان اللتان كانت جل دول العالم في القرن السادس والسابع الميلاديين تدور في فلكهما، وتتأثر بسياستهما.
وغني عن البيان أن ما أصاب العالم إذ ذاك من ويلات كانت نتيجة الكفر بالله، واستفحال الظلم والاستبداد والفساد، وتوشك أن تؤدي إلى تدميره بمقتضى سنة الله في الكون، التي نص عليها القرآن بقوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}. [**/ **]. وقرأ ابن عباس وابو عثمان النهدي، والسُّدّي وزيد بن علي، وأبو العالية: أمّرنا. بالتشديد. وروي ذلك أيضا عن علي والحسن والباقر رضي الله عنهم، وعاصم وأبي عمرو، كما نص عليه الألوسي – رحمه الله – في تفسيره المسمى بـ: "روح المعاني"، وذكر له تفسيرين: أولهما: كثرنا. والثاني: وليناهم وجعلنا هم أمراء. وزاد قائلا: "والمراد به: من يؤمر ويؤتمر به، سواء كان ملكا أولا".
وقال تعالى: {وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون. إنما يؤخرهم ... }. [**/ **]، وقال تعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. وأملي لهم إن كيدي متين}. [**/ **].
وكان لا بد لهذا العالم من منقذ ينقذه من الضلال إلى الهدى، ومن الشقاوة إلى السعادة، وذلك لا يتحقق إلا بإرسال رسول من نوع البشر جامع لجميع أنواع الكمال الإنساني، ليتم الانسجام بين الرسول والمرسل إليهم، ويقع التفاهم على أكمل صورة.
وشاء الله أن تنتقل القيادة البشرية من اليهود والنصارى إلى العرب، وأن يكون هذا الرسول هو: سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم؛ أشرف وأفضل عربي في الجزيرة العربية، بل أفضل إنسان على وجه الأرض.
فكان هذا الانتقال مدعاة لإعلان حسد اليهود والنصارى للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو حسد نص عليه القرآن في قوله: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}. [**/ **]. ونص المفسرون على أن المراد بالناس هو: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وعبر عنه بصيغة الجمع تقديرا له.
¥