و يبالغ في الإنكار على من يعرف المسلمين ببعض ما لم يصح منه , بطرا للحق , و غمصا للناس. و الله المستعان.
(فائدة): من المعلوم أن (الدف) من المعازف المحرمة في الإسلام و المتفق على تحريمها عند الأئمة الأعلام , كالفقهاء الأربعة و غيرهم و جاء فيها أحاديث صحيحة خرجت بعضها في غير مكان , و تقدم شيء منها برقم (9و1806) , و لا يحل منها إلا الدف وحده في العرس و العيدين , فإذا كان كذلك , فكيف أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تفي بنذرها و لا نذر في معصية الله تعالى. و الجواب - و الله أعلم - لما كان نذرها مقرونا بفرحها بقدومه صلى الله عليه وسلم من الغزو سالما , ألحقه صلى الله عليه وسلم بالضرب على الدف في العرس و العيد و ما لا شك فيه , أن الفرح بسلامته صلى الله عليه وسلم أعظم - بما لا يقاس - من الفرح في العرس و العيد , و لذلك يبقى هذا الحكم خاصا به صلى الله عليه وسلم , لا يقاس به غيره , لأنه من باب قياس الحدادين على الملائكة , كما يقول بعضهم. و قد ذكر نحو هذا الجمع الإمام الخطابي في "معالم السنن" , و العلامة صديق حسن خان في "الروضة الندية" (2/ 177 - 178).
من شهر سيفه ثم وضعه فدمه هدر
2354 - (من شهر سيفه ثم وضعه , فدمه هدر).
(فائدة): معنى الحديث أن "من شهر" - بالتخفيف و قد يشدد - أي: سل , "سيفه , ثم وضعه" أي: في الناس يضربهم به , "فدمه هدرا" أي: لا دية و لا قصاص بقتله. و قد ترجم له بذلك الإمام النسائي بقوله: "من شهر سيفه ثم وضعه في الناس".
قبول توبة الكافر
2545 - (إن الله تبارك و تعالى لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه)
أخرجه أحمد (4/ 446و5/ 2و3) من طريق أبي قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات , و اسم أبي قزعة سويد بن حجير. و في لفظ له:" لا يقبل الله عز وجل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه". و تابعه عليه بهز بن حكيم عن أبيه به , إلا أنه قال: "عملا" مكان: "توبة". أخرجه أحمد (5/ 5).
قلت: و بهز ثقة حجة , لاسيما في روايته عن أبيه , و فيها ما يفسر رواية أبي قزعة , و يزيل الإشكال الوارد على ظاهرها , فهي في ذلك كقوله تعالى: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) آل عمران 90 و لذلك أشكلت على كثير من المفسرين , لأنها بظاهرها مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة من قبول توبة الكافر , و من الأدلة على ذلك قوله تعالى قبل الآية المذكورة: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) إلى قوله: (أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين. خالدين فيها ... ) إلى قوله: (إلا الذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا فإن الله غفور رحيم) آل عمران 86 - 89 فاضطربت أقوال المفسرين في التوفيق بين الآيتين , و إزالة الإشكال على أقوال كثيرة لا مجال لذكرها الآن , و إنما أذكر منها ما تأيد برواية بهز هذه , فإنها كما فسرت رواية أبي قزعة فهي أيضا تفسر الآية و تزيل الإشكال عنها. فكما أن معنى قوله في الحديث: " لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه " , أي توبته من ذنب في أثناء كفره , لأن التوبة من الذنب عمل , و الشرك يحبطه كما قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) الزمر65 فكذلك قوله تعالى في الآية: (لن تقبل توبتهم) , أي من ذنوبهم , و ليس من كفرهم. و بهذا فسرها بعض السلف , فجاء في " تفسير روح المعاني "للعلامة الآلوسي (1/ 624) ما نصه بعد أن ذكر بعض الأقوال المشار إليها: "و قيل: إن هذه التوبة لم تكن عن الكفر , و إنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه , فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر , فردت عليهم لذلك , و يؤيده ما أخرجه ابن جرير عن أبي العالية قال: هؤلاء اليهود و النصارى كفروا بعد إيمانهم , ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها , ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم , فلم تقبل توبتهم , ولو كانوا على الهدى قبلت , و لكنهم على ضلالة".
قلت: و هذا هو الذي اختاره إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى , فليراجع كلامه من أراد زيادة تبصر و بيان.
تفسير سبب نزول (و من لم يحكم بما أنزل الله) وأن الكفر العملي غير الاعتقادي
¥