قلت: و هذا إسناد صحيح على شرط مسلم و قد أخرجه (3/ 24) بنحوه من طريق الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء". و أخرجه أحمد (3/ 153): حدثنا حسن بن موسى به. ثم أخرجه (3/ 241) عن مؤمل: حدثنا حماد به. ثم قال (3/ 271): حدثنا عفان بلفظ: "إن الناس قالوا: يا رسول الله! هلك المال و أقحطنا , و هلك المال فاستسق لنا , فقام يوم الجمعة و هو على المنبر , فاستسقى - وصف حماد- و بسط يديه حيال صدره و بطن كفيه مما يلي الأرض , و ما في السماء قزعة , فما انصرف حتى أهمت الشاب القوي نفسه أن يرجع إلى أهله , فمطرنا إلى الجمعة الأخرى , فقالوا: يا رسول الله! تهدم البنيان , و انقطع الركبان , ادع الله أن يكشطها عنا. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال: اللهم حوالينا لا علينا. فانجابت حتى كانت المدينة كأنها في إكليل". و أخرجه أبو يعلى أيضا (ق 166/ 2): حدثنا زهير: حدثنا عفان به. و أخرجه أبو داود من طريق أخرى عن عفان بموضع الشاهد فقط منه. و تابعه عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس به مختصرا بلفظ: "كان يدعو ببطن كفيه , و يقول: هكذا بظهر كفيه". أخرجه أبو يعلى (2/ 264 - 265). و عمر هذا ضعيف.
(فائدة): قد ذهب إلى العمل بالحديث و أفتى به الإمام مالك رحمه الله تعالى كما جاء في "المدونة" لابن القاسم (2/ 158).
استحباب أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف
2533 - (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة , و ما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها)
(فائدة): قال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 334): "قلت: معنى "لين المنكب": لزوم السكينة في الصلاة و الطمأنينة فيها , لا يلتفت و لا يحاك
بمنكبه منكب صاحبه , و قد يكون فيه وجه آخر , و هو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان. بل يمكنه من ذلك , و لا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف , و يتكاتف الجموع".
قلت: هذا المعنى الثاني هو المتبادر من الحديث , و المعنى الأول بعيد كل البعد عن سياقه لمن تأمله. و إن مما يؤيد ذلك لفظ حديث ابن عمر عند أبي داود (666) مرفوعا: "أقيموا الصفوف. و حاذوا بالمناكب و سدوا الخلل و لينوا بأيدي إخوانكم , و لا تذروا فرجات للشيطان , و من وصل صفا وصله الله و من قطع صفا قطعه الله". و إسناده صحيح كما قال النووي , فإنه يوضح أن الأمر باللين إنما هو لسد الفرج , و وصل الصفوف , و لذلك قال أبو داود عقبه: "و معنى" لينوا بأيدي إخوانكم": إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبه حتى يدخل في الصف". و لذلك استدل به النووي في "المجموع" (4/ 301) على أنه "يستحب أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف .. ". و ليس يخفى على كل محب للسنة عارف بها أن قول الخطابي: "و لا يحاك منكبه بمنكب صاحبه" مخالف لما كان يفعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين يصلون خلفه , و ذلك تنفيذا منهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا صفوفكم , فإني أراكم من ورائي". رواه البخاري (725) عن أنس , قال أنس: "و كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه , و قدمه بقدمه". وله شاهد من حديث النعمان بن بشير , و هما مخرجان في "صحيح أبي داود" (668).
و قد أنكر بعض الكاتبين في العصر الحاضر هذا الإلزاق , و زعم أنه هيئة زائدة على الوارد , فيها إيغال في تطبيق السنة! و زعم أن المراد بالإلزاق الحث على سد الخلل لا حقيقة الإلزاق , و هذا تعطيل للأحكام العملية , يشبه تماما تعطيل الصفات الإلهية , بل هذا أسوأ منه لأن الراوي يتحدث عن أمر مشهود رآه بعينه وهو الإلزاق. و مع ذلك قال: ليس المراد حقيقة الإلزاق! فالله المستعان. و أسوأ منه ما صنع مضعف مئات الأحاديث الصحيحة المدعو (حسان عبد المنان) , فإنه تعمد إسقاط رواية البخاري المذكورة عن أنس .. من طبعته لـ"رياض الصالحين" (ص306/ 836) و ليس هذا فقط , بل دلس على القراء , فأحال ما أبقي من حديث البخاري المرفوع إلى البخاري برقم (723) حتى إذا رجع القراء إليه لم يجدوا قول أنس المذكور! و الرقم الصحيح هو المتقدم مني (725) , و له من مثل هذا الكتم للعلم ما لا يعد و لا يحصى , و قد نبهت على شيء من ذلك في غير ما مناسبة , فانظر
¥