تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رسالته الأخرى " الصبح السافر " (ص 42)!!

هذا و لقد شذ في هذه المسألة ابن حزم كعادته في كثير غيرها , فقد ذهب إلى وجوب قصر المسافر وراء المقيم , واحتج بالأدلة العامة القاضية بأن صلاة المسافر ركعتان , كما جاء في أحاديث كثيرة صحيحة.

و ليس بخاف على أهل العلم أن ذلك لا يفيد فيما نحن فيه , لأن حديث الترجمة يخصص تلك الأحاديث العامة , بمختلف رواياته , بعضها بدلالة

المفهوم , و بعضها بدلالة المنطوق. و لا يجوز ضرب الدليل الخاص بالعام , أو تقديم العام على الخاص , سواء كانا في الكتاب أو في السنة , خلافا لبعض المتمذهبة.

و ليس ذلك من مذهب ابن حزم رحمه الله , فالذي يغلب على الظن أنه لم يستحضر هذا الحديث حين تكلم على هذه المسألة , أو على الأقل لم يطلع على الروايات الدالة على خلافه بدلالة المنطوق , و إلا لم يخالفها إن شاء الله تعالى , و أما رواية مسلم فمن الممكن أن يكون قد اطلع عليها و لكنه لم يرها حجة لدلالتها بطريق المفهوم , و ليس هو حجة عنده خلافا للجمهور , و مذهبهم هو الصواب كما هو مبين في علم الأصول , فإن كان قد اطلع عليها فكان عليه أن يذكرها مع جوابه عنها , ليكون القاريء على بينة من الأمر.

و إن من غرائبه أنه استشهد لما ذهب إليه بما نقله عن عبد الرزاق - و هو في " مصنفه " (2/ 519) - من طريق داود بن أبي عاصم قال: " سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر ? فقال: ركعتان.قلت: كيف ترى و نحن ههنا بمنى ? قال: ويحك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم و آمنت به ? قلت: نعم. قال: فإنه كان يصلي ركعتين. فصل ركعتين إن شئت أو دع ".

قلت: و سنده صحيح , و قال عقبه: " و هذا بيان جلي بأمر ابن عمر المسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط ".

قلت: و هذا فهم عجيب , و اضطراب في الفهم غريب , من مثل هذا الإمام اللبيب , فإنك ترى معي أنه ليس في هذه الرواية ذكر للإمام مطلقا , سواء كان مسافرا أم مقيما. و غاية ما فيه أن ابن أبي عاصم بعد أن سمع من ابن عمر أن الصلاة في السفر ركعتان , أراد أن يستوضح منه عن الصلاة و هم - يعني الحجاج - في منى: هل يقصرون أيضا ? فأجابه بالإيجاب , و أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيها ركعتين.

هذا كل ما يمكن فهمه من هذه الرواية , و هو الذي فهمه من خرجها , فأوردها عبد الرزاق في " باب الصلاة في السفر " في جملة أحاديث و آثار في القصر , و كذلك أورده ابن أبي شيبة في باب " من كان يقصر الصلاة " من " مصنفه " (2/ 451). و داود بن أبي عاصم هذا طائفي مكي , فمن المحتمل أنه عرضت له شبهة من جهة كونه مكيا , و المسافة بينها و بين منى قصيرة , فأجابه ابن عمر بما تقدم , و كأنه يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في منى هو و من كان معه من المكيين الحجاج. و الله أعلم.

و إن مما يؤكد خطأ ابن حزم في ذلك الفهم ما سبق ذكره بالسند الصحيح عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في مكة و منى لنفسه قصر , و إذا صلى وراء الإمام صلى أربعا.

فلو كان سؤال داود عن صلاة المسافر وراء المقيم , لأفتاه بهذا الذي ارتضاه لنفسه من الإتمام في هذه الحالة , ضرورة أنه لا يعقل أن تخالف فتواه قوله , و يؤيد هذا أنه قد صح عنه أنه أفتى بذلك غيره , فروى عبد الرزاق (2/ 542 / 4381) بسند صحيح عن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: أدركت ركعة من صلاة المقيمين و أنا مسافر ? قال: صل بصلاتهم.

أورده في " باب المسافر يدخل في صلاة المقيمين ". و ذكر فيه آثارا أخرى عن بعض التابعين بمعناه , إلا أن بعضهم فصل , فقال في المسافر يدرك ركعة من صلاة المقيمين في الظهر: يزيد إليها ثلاثا , و إن أدركهم جلوسا صلى ركعتين. و لم يرو عن أحد منهم الاقتصار على ركعتين على كل حال كما هو قول ابن حزم!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير