و أما ما ذكره من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن بن تميم بن حذلم قال: " كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة و هو مسافر صلى إليها أخرى , و إذا أدرك ركعتين اجتزأهما " , و قال ابن حزم: " تميم بن حذلم من كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ". قلت: نعم , و لكنه مع شذوذه عن كل الروايات التي أشرت إليها في الباب و ذكرنا بعضها , فإن ابنه عبد الرحمن ليس مشهورا بالرواية , فقد أورده البخاري في " التاريخ " (3/ 1 / 265) و ابن أبي حاتم (2/ 2 / 218) و لم يذكرا فيه جرحا و لا تعديلا , و ذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه أبو إسحاق الهمداني أيضا , و ذكره ابن حبان في " الثقات " (7/ 68) برواية المغيرة. و هذا قال فيه الحافظ في " التقريب ": " كان يدلس ".
و ذكر أيضا من طريق مطر بن فيل عن الشعبي قال: " إذا كان مسافرا فأدرك من صلاة المقيم ركعتين اعتد بهما ". و مطر هذا لا يعرف. و عن شعبة قال: سمعت طاووسا و سألته عن مسافر أدرك من صلاة المقيم ركعتين ? قال: " تجزيانه ". قلت: و هذا صحيح إن سلم إسناده إلى شعبة من علة , فإن ابن حزم لم يسقه لننظر فيه.
و جملة القول أنه إن صح هذا و أمثاله عن طاووس و غيره , فالأخذ بالآثار المخالفة لهم أولى لمطابقتها لحديث الترجمة و أثر ابن عمر و غيره. و الله أعلم.
عقوبة من صلى بغير طهور
2774 - (أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة , فلم يزل يسأل و يدعو حتى صارت جلدة واحدة , فجلد جلدة واحدة , فامتلأ قبره عليه نارا , فلما ارتفع عنه و أفاق قال: على ما جلدتموني ? قالوا: إنك صليت صلاة واحدة بغير طهور , و مررت على مظلوم فلم تنصره).
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4/ 231): حدثنا فهد بن سليمان قال: حدثنا عمرو بن عون الواسطي قال: حدثنا جعفر بن سليمان عن عاصم عن شقيق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره.
من فقه الحديث: قال الطحاوي عقبه:
" فيه ما قد دل أن تارك الصلاة لم يكن بذلك كافرا , لأنه لو كان كافرا لكان دعاؤه باطلا لقول الله تعالى: * (و ما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * "
. و نقله عنه ابن عبد البر في " التمهيد " (4/ 239) و أقره , بل و أيده بتأويل الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة على أن معناها:
" من ترك الصلاة جاحدا لها معاندا مستكبرا غير مقر بفرضها.
و ألزم من قال بكفره بها و قبلها على ظاهرها فيهم أن يكفر القاتل و الشاتم للمسلم , و أن يكفر الزاني و .. و .. إلى غير ذلك مما جاء في الأحاديث لا يخرج بها العلماء المؤمن من الإسلام , و إن كان بفعل ذلك فاسقا عندهم , فغير نكير أن تكون الآثار في تارك الصلاة كذلك ".
قلت: و هذا هو الحق , و انظر الحديث الآتي (3054) فإنه نص قاطع.
حكم الصلاة قبل دخول وقتها
2780 - (كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر , فقلنا: زالت الشمس , أو لم تزل صلى الظهر ثم ارتحل).
أخرجه الإمام أحمد (3/ 113): حدثنا أبو معاوية حدثنا مسحاج الضبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره.
قلت: و هذا إسناد صحيح ثلاثي من ثلاثيات أحمد رحمه الله تعالى , و أخرجه أبو داود عن طريق مسدد: حدثنا أبو معاوية به.
و قد أوردته في " صحيح أبي داود " برقم (1087) منذ سنين , ثم وقفت على كلام لابن حبان يصرح فيه بإنكار الحديث , فرأيت أنه لابد من تحقيق الكلام عليه , فأقول:
قال ابن حبان في ترجمة مسحاج بن موسى الضبي من كتابه " الضعفاء " (3/ 32): " روى حديثا واحدا منكرا في تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر - لا يجوز الاحتجاج به "! ثم قال: " سمعت أحمد بن محمد بن الحسين: سمعت الحسن بن عيسى: قلت لابن المبارك: حدثنا أبو نعيم بحديث حسن. قال: ما هو ? قلت: حدثنا أبو نعيم عن مسحاج .. (فذكر الحديث) , فقال ابن المبارك:وما حسن هذا الحديث ?! أنا أقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الزوال وقبل الوقت ?! ".
¥