و اعلم أنه لا منافاة بين وصفه صلى الله عليه وسلم لضوء الفجر الصادق بـ (الأحمر) و وصفه تعالى إياه بقوله: (الخيط الأبيض) لأن المراد -و الله أعلم- بياض مشوب بحمرة أو تارة يكون أبيض و تارة يكون أحمر , يختلف ذلك باختلاف الفصول و المطالع. و قد رأيت ذلك بنفسي مرارا من داري في (جبل هملان) جنوب شرق (عمان) , و مكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين , أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين و الثلاثين دقيقة , أي قبل الفجر الكاذب أيضا! و كثيرا ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق , و هم يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة , و على ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها , و قد يستعجلون بأداء الفريضة أيضا قبل وقتها في شهر رمضان , كما سمعته من إذاعة دمشق و أنا أتسحر رمضان الماضي (1406) و في ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام و تعريض لصلاة الفجر للبطلان , و ما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي و إعراضهم عن التوقيت الشرعي: (و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) "فكلوا و اشربوا حتى يعترض لكم الأحمر" , و هذه ذكرى , (و الذكرى تنفع المؤمنين).
مراقبة غروب الشمس لتعجيل الافطار
2081 - (كان إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز , فإذا قال: قد غابت الشمس أفطر).
أخرجه الحاكم (1/ 434) عن محمد بن أبي صفوان الثقفي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي حازم عن # سهل بن سعد # رضي الله عنه مرفوعا. و قال: "صحيح على شرط الشيخين" , و وافقه الذهبي. و أقول: إنما هو صحيح فقط , فإن الثقفي - و هو محمد بن عثمان بن أبي صفوان - لم يخرج له الشيخان شيئا و من فوقه من رجال الشيخين , لكن ابن مهدي ليس من شيوخهما. قوله: (نشز) أي: مرتفع من الأرض.
قلت: و في الحديث اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالتعجيل بالإفطار بعد أن يتأكد صلى الله عليه وسلم من غروب الشمس , فيأمر من يعلو مكانا مرتفعا , فيخبره بغروب الشمس ليفطر صلى الله عليه وسلم , و ما ذلك منه إلا تحقيقا منه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"متفق عليه , و هو مخرج في "الإرواء" (917). و إن من المؤسف حقا أننا نرى الناس اليوم , قد خالفوا السنة , فإن الكثيرين منهم يرون غروب الشمس بأعينهم , و مع ذلك لا يفطرون حتى يسمعوا أذان البلد , جاهلين:
أولا: أنه لا يؤذن فيه على رؤية الغروب , و إنما على التوقيت الفلكي.
و ثانيا: أن البلد الواحد قد يختلف الغروب فيه من موضع إلى آخر بسبب الجبال و الوديان , فرأينا ناسا لا يفطرون و قد رأوا الغروب! و آخرين يفطرون و الشمس بادية لم تغرب لأنهم سمعوا الأذان! و الله المستعان!
لا يجوز الصوم في السفر إذا كان يضر بالصائم
2595 - (أما يكفيك في سبيل الله و مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تصوم؟!).
أخرجه أحمد (3/ 327): حدثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد عن أبي الزبير قال: سمعت جابرا يقول:
مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقلب ظهره لبطنه , فسأل عنه ? فقالوا: صائم يا نبي الله! فدعاه , فأمره أن يفطر فقال: فذكره.
و هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
و له طرق أخرى عن جابر بنحوه في " الصحيحين " و غيرهما , و هي مخرجة في " الإرواء " (925).
و في الحديث دلالة ظاهرة على أنه لا يجوز الصوم في السفر إذا كان يضر بالصائم , و عليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس من البر الصيام في السفر " و قوله: " أولئك هم العصاة " , و فيما سوى ذلك فهو مخير إن شاء صام و إن شاء أفطر , و هذا خلاصة ما تدل عليه أحاديث الباب , فلا تعارض بينها و الحمد لله.
متى يجوز صوم الفرض بنية النهار
2624 - (أذن في قومك أو في الناس يوم عاشوراء: من [كان] أكل فليصم بقية يومه [إلى الليل] , و من لم يكن أكل فليصم).
ورد من حديث سلمة بن الأكوع و الربيع بنت معوذ و محمد بن صيفي و هند بن أسماء و أبي هريرة و عبد الله بن عباس و رجال لم يسموا من أسلم و معبد القرشي و محمد بن سيرين مرسلا.
. من فقه الحديث. في هذا الحديث فائدتان هامتان:
¥