(فائدة): قد يقول قائل: إذا كان علة شرعية الرمل إنما هي إراءة المشركين قوة المسلمين , أفلا يقال: قد زالت العلة فيزول شرعية الرمل ?و الجواب: لا , لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمل بعد ذلك في حجة الوداع كما جاء في حديث جابر الطويل و غيره مثل حديث ابن عباس هذا في رواية أبي الطفيل المتقدمة. و لذلك قال ابن حبان في " صحيحه " (6/ 47 - الإحسان): " فارتفعت هذه العلة , و بقي الرمل فرضا على أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ".
أمره صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج الى العمرة
2593 - (أما شعرت أني أمرتهم بأمر فهم يترددون , و لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي و لا اشتريته حتى أحل كما حلوا).
أخرجه إسحاق ابن راهويه في " مسنده " (4/ 126 / 2): أخبرنا النضر و وهب قالا: حدثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن علي بن حسين عن ذكوان مولى عائشة عن عائشة قالت:
دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع ليال خلون أو خمس من ذي الحجة في حجته و هو غضبان , فقلت: يا رسول الله من أغضبك أدخله الله النار ?! فقال: فذكره.
قلت: و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين , و قد أخرجه مسلم (4/ 33 - 34) و أحمد (6/ 175) و البيهقي (5/ 19) من طرق أخرى عن شعبة به.
قلت: و هذا الحديث مثل أحاديث كثيرة ذكرها ابن القيم في " زاد المعاد " , فيها كلها أمره صلى الله عليه وسلم المفردين و القارنين الذين لم يسوقوا الهدي بفسخ الحج إلى العمرة , و آثرت هذا منها بالذكر ههنا لعزة مخرجه الأول: " مسند إسحاق " , و حكاية عائشة غضبه صلى الله عليه وسلم بسبب تردد أصحابه في تنفيذ الأمر بالفسخ , علما أن ترددهم رضي الله عنهم لم يكن عن عصيان منهم , فإن ذلك ليس من عادتهم , و إنما هو كما قال راويه الحكم عند أحمد و غيره: " كأنهم هابوا " ,و ذلك لأنهم كانوا في الجاهلية لا يعرفون العمرة في أيام الحج كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة , هذا من جهة. و من جهة أخرى: أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل معهم , فظنوا أن في الأمر سعة فترددوا , فلما عرفوا منه السبب و أكد لهم الأمر بادروا إلى تنفيذه رضي الله عنهم.
و إذا كان الأمر كذلك فما بال كثير من المسلمين اليوم - و فيهم بعض الخاصة - لا يتمتعون , و قد عرفوا ما لم يكن قد عرفه أولئك الأصحاب الكرام في أول الأمر , و من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأحاديث: " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " , ألا يخشون أن تصيبهم دعوة عائشة رضي الله عنها؟!
عمرة التنعيم
2626 - (" أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم , فإذا هبطت الأكمة فمرها فلتحرم , فإنها عمرة متقبلة).
أخرجه الحاكم (3/ 477) من طريق داود بن عبد الرحمن العطار: حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. و سكت عنه. و قال الذهبي: " قلت: سنده قوي ". قلت: و قد أخرجه أحمد أيضا (1/ 198): حدثنا داود بن مهران الدباغ: حدثنا داود - يعني العطار - به. و أخرجه أبو داود أيضا و غيره و هو في " صحيح أبي داود " برقم (1569).
و قد أخرجه البخاري (3/ 478) و مسلم (4/ 35) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن أبي بكر مختصرا. و كذلك أخرجاه من حديث عائشة نفسها , و في رواية لهما عنها قالت: فاعتمرت , فقال:" هذه مكان عمرتك ".
و في أخرى: بنحوه قال: " مكان عمرتي التي أدركني الحج و لم أحصل منها ". و في أخرى: " مكان عمرتي التي أمسكت عنها ".
و في أخرى: " جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا ". رواها مسلم.
و في ذلك إشارة إلى سبب أمره صلى الله عليه وسلم لها بهذه العمرة بعد الحج. و بيان ذلك: أنها كانت أهلت بالعمرة في حجتها مع النبي صلى الله عليه وسلم , إما ابتداء أو فسخا للحج إلى العمرة (على الخلاف المعروف) , فلما قدمت (سرف). مكان قريب من مكة - , حاضت , فلم تتمكن من إتمام عمرتها و التحلل منها بالطواف حول البيت , لقوله صلى الله عليه وسلم لها - و قد قالت له: إني كنت أهللت بعمرة فكيف أصنع بحجتي ? قال: - " انقضي رأسك و امتشطي و أمسكي عن العمرة و أهلي بالحج , و اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي
¥