و لا تصلي حتى تطهري. (و في رواية: فكوني في حجك فعسى الله أن يرزقكيها) " , ففعلت , و وقفت المواقف , حتى إذا طهرت طافت بالكعبة و الصفا و المروة , و قال لها صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر:
" قد حللت من حجك و عمرتك جميعا " , فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت , و ذلك يوم النفر , فأبت , و قالت: أيرجع الناس بأجرين و أرجع بأجر؟ و في رواية عنها: يصدر الناس بنسكين و أصدر بنسك واحد؟ و في أخرى: يرجع الناس (و عند أحمد (6/ 219): صواحبي , و في أخرى له (6/ 165 و 266): نساؤك) بعمرة و حجة , و أرجع أنا بحجة ? و كان صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه , فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن , فأهلت بعمرة من التنعيم.
فقد تبين مما ذكرنا من هذه الروايات - و كلها صحيحة - أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها من عمرة التمتع بسبب حيضها , و لذلك قال العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم المتقدم: " هذه مكان عمرتك " أي: العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة , ثم أنشأوا الحج مفردا.
إذا عرفت هذا , ظهر لك جليا أن هذه العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج , فلا تشرع لغيرها من النساء الطاهرات , فضلا عن الرجال. و من هنا يظهر السر في إعراض السلف عنها , و تصريح بعضهم بكراهتها , بل إن عائشة نفسها لم يصح عنها العمل بها , فقد كانت إذا حجت تمكث إلى أن يهل المحرم ثم تخرج إلى الجحفة فتحرم منها بعمرة , كما في " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (26/ 92).
و قد أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (4/ 344) بمعناه عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة. و إسناده صحيح.
و أما ما رواه مسلم (4/ 36) من طريق مطر: قال أبو الزبير:
فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم. ففي ثبوته نظر , لأن مطرا هذا هو الوراق فيه ضعف من قبل حفظه , لاسيما و قد خالفه الليث بن سعد و ابن جريج كلاهما عن أبي الزبير عن جابر بقصة عائشة , و لم يذكرا فيها هذا الذي رواه مطر , فهو شاذ أو منكر , فإن صح ذلك فينبغي أن يحمل على ما رواه سعيد بن المسيب , و لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاختيارات العلمية " (ص 119): " يكره الخروج من مكة لعمرة تطوع , و ذلك بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم , و لا أصحابه على عهده , لا في رمضان و لا في غيره , و لم يأمر عائشة بها , بل أذن لها بعد المراجعة تطييبا لقلبها , و طوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقا , و يخرج عند من لم يكرهه على سبيل الجواز ".
و هذا خلاصة ما جاء في بعض أجوبته المذكورة في " مجموع الفتاوى " (26/ 252 - 263) , ثم قال (26/ 264): " و لهذا كان السلف و الأئمة ينهون عن ذلك , فروى سعيد بن منصور في " سننه " عن طاووس - أجل أصحاب ابن عباس - قال: " الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون؟ قيل: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت , و يخرج إلى أربعة أميال و يجيء , و إلى أن يجيء من أربعة أميال [يكون] قد طاف مائتي طواف , و كلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ".
و أقره الإمام أحمد. و قال عطاء بن السائب: " اعتمرنا بعد الحج , فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير. وقد أجازها آخرون , لكن لم يفعلوها ... ".
و قال ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " (1/ 243): " و لم يكن صلى الله عليه وسلم في عمره عمرة واحدة خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم , و إنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة , و قد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة , لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا من مكة في تلك المدة أصلا , فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها فهي عمرة الداخل إلى مكة , لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر , ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه , لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت , فأمرها فأدخلت الحج على العمرة و صارت قارنة , وأخبرها أن طوافها بالبيت و بين الصفا و المروة قد وقع عن حجتها و عمرتها , فوجدت في نفسها أن
¥