تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و اعلم أن الأحاديث في موضع الإزار استحبابا و إباحة و تحريما كثيرة , و بعضها في " الصحيحين " , و قد خرج الكثير الطيب منها الحافظ المنذري في " الترغيب و الترهيب " , و ليس هذا منها , و من الغريب أنه لم يذكره الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا في هذا الباب من كتاب اللباس من " الفتح الرباني " (17/ 234) و لا أدري إذا كان قد ذكره في مكان آخر منه , و الوقت لايتسع للتحقق من ذلك , و لكن إن كان أورده فكان عليه أن ينبه على ذلك و أن يرشد إليه , تسهيلا للمراجعة على الباحث.

ثم أخبرني أحد إخواني أنه أخرجه (17/ 294).

و إنما آثرت تخريجه لأمرين:

الأول: أن فيه تحديدا عمليا بديعا لموضع الإزار المشروع و غير المشروع , لم أره في غيره من الأحاديث.

والآخر: أن فيه بيانا واضحا أن التفاوت الذي يرى في الناس بياضا و سوادا , و طولا و قصرا , و بدانة و نحولة , و هذا أشعر , و ذاك أجرد , و هذا ألحى (عظيم اللحية) و ذاك كوسج! أو زلهب , و غير ذلك من الفوارق الخلقية أن كل ذلك من خلق الله حسن , فلا ينبغي للمسلم أن يحاول تغيير خلق الله عز وجل , و إلا استحق اللعن كما في حديث " النامصات و المتنمصات , و الواشمات و المستوشمات , و الفالجات المغيرات لخلق الله للحسن ". متفق عليه , و يأتي تخريجه بإذن الله رقم (2792).

و كأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تسلية عمرو الأنصاري الذي أطال إزاره ليغطي حمش ساقيه بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أحسن كل شيء خلقه ".

و هذا مما يحمل المسلم على الرضا بقدر الله و قضائه في خلقه مهما بدا لبعض الناس ممن ضعف إيمانهم و تكاثف جهلهم أنه غير حسن! و هذا في الواقع مما يعطي قوة للرأي القائل بأن المرأة إذا نبت لها لحية أنه لا يجوز لها أن تحلقها أو تنتفها , لأن الله قد أحسن كل شيء خلقه. و لا شك أنها حين تنتفها إنما تفعل ذلك للحسن و التجمل كما تفعل الواصلة لشعرها , فتستحق بذلك لعنة الله , و العياذ بالله تعالى.

و أما بالنسبة للإزار , فالأحاديث صريحة في تحريم جره خيلاء , و أما بدونها فقد اختلفوا , فمنهم من حرمه أيضا , و هو الذي يدل عليه تدرجه صلى الله عليه وسلم مع عمرو في بيان مواضع الإزار استحبابا و جوازا , ثم انتهاؤه به إلى ما فوق الكعبين , و قوله له: " هذا موضع الإزار " , فإنه ظاهر أنه لا جواز بعد ذلك , و إلا لم يفد التدرج مع القول المذكور شيئا كما لا يخفى. و يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم " ما أسفل من الكعبين في النار ".

رواه البخاري عن ابن عمر. و يزيده قوة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة المتقدم " ... و لا حق للكعبين في الإزار ". قال أبو الحسن السندي في تعليقه عليه: " و الظاهر أن هذا هو التحديد , و إن لم يكن هناك خيلاء. نعم إذا انضم إلى الخيلاء اشتد الأمر , و بدونه الأمر أخف ".

قلت: نعم , و لكن مع التحريم أيضا لما سبق. و يقويه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن للنساء أن يرخين ذيولهن ثم أذن لهن أن يزدن شبرا لكي لا تنكشف أقدامهن بريح أو غيرها , لم يأذن لهن أن يزدن على ذلك , إذ لا فائدة من وراء ذلك فالرجال أولى بالمنع من الزيادة. استفدت هذا من الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح ".

و جملة القول: إن إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين لا يجوز للرجال , فإذا اقترن مع ذلك قصد الخيلاء اشتد الإثم , فمن مصائب الشباب المسلم اليوم إطالته سرواله (البنطلون) إلى ما تحت الكعبين , لاسيما ما كان منه من جنس (الشرلستون)! فإنه مع هذه الآفة التي فيه , فهو عريض جدا عند الكعبين , و ضيق جدا عند الفخذين و الأليتين , مما يصف العورة و يجسمها , و تراهم يقفون بين يدي الله يصلون و هم شبه عراة! فإنا لله و إنا إليه راجعون.

و من العجيب أن بعضهم ممن هو على شيء من الثقافة الإسلامية يحاول أن يستدل على جواز الإطالة المذكورة بقول أبي بكر لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ": يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لست ممن يصنعه خيلاء ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير