تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الأسباب التي قد تؤدي إلى ما ذكرنا من مظاهر الخلاف والشقاق بين الحجاج شدة الزحام في المناسك بعد تزايد أعداد الحجاج في السنوات الأخيرة، وهذا أمر ينبغي الالتفات إليه ومعالجته، فإن هذه الشريعة ما جاءت بالعنت، والتشديد على المكلف، وإنما جاءت باليسر والسماحة، ورفع الحرج والمشقة عنه قال تعالى: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون ". و (مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها) فالطواف في مكان بعيد عن الكعبة مع الخشوع أولى من الطواف قريبا منها عند شدة الزحام.

وهذه بعض المسائل المتعلقة بشدة الزحام:

* ترك المبيت بمنى عند عدم وجود مكان فيها: المقرر عند الفقهاء وجوب المبيت في منى، وتركه يوجب الكفارة، لكن إذا ترك المبيت لعذر فلا شيء عليه، والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه - استاذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له ". وروى الخمسة عن عاصم بن عدي – رضي الله عنه –: " أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر ".

ويلحق في ذلك أهل الأعذار ممن يشق عليه المبيت في منى، فقد روى سعيد بن منصور في " سننه " عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أنه كان يقول: " إذا كان للرجل متاعٌ بمكة يخشى عليه الضيعة إنْ بات بمنى، فلا بأس أن يبيت عنده بمكة".

قال ابن قدامة – رحمه الله – في " المغني": وأهل الأعذار كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاة في ترك البيتوتة.ا. هـ.

وقال ابن القيم – رحمه الله –: وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم - قد رخص لأهل السقاية وللرعاة في ترك البيتوتة، فمن له مال يخاف ضياعه، أو مريض يخاف من تخلفه عنه، أو كان مريضا سقطت عنه بتنبيه النص على هؤلاء. والله أعلم. ا. هـ.

ومع الزحام الموجود الآن فقد ألحق العلماء في ذلك ترك المبيت بمنى عند ضيقها، أو وجد مكاناً لا يصلح لمثله، ومنه المبيت على الشوارع والأرصفة والذي فيه إلحاق الضرر بالنفس والغير وانكشاف عورات النساء، وهذا لا شك أولى من رعاة الإبل الذين رخص لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – في ترك المبيت بمنى، فإذا لم يجد مكانا في منى فيبيت عند منتهى آخر خيمة من خيام الحجاج، وهذا كالمسجد إذا امتلأ بالحجاج فإنهم يصلون بعضهم إلى بعض.

والواجب في المبيت أن يكون معظم الليل، قال ابن حجر – رحمه الله -: ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل.ا. هـ. ولا يشترط أن يكون آخر الليل كما يفعله من يبيتون خارج منى، ويأتون منى جميعا في وسط الليل لإدراك المبيت باقي الليل، فيستطيع الحاج المجيء إلى منى عند الغروب ويمكث أكثر الليل فيها، وفي هذا تخفيف على نفسه وعلى غيره من المسلمين.

* الدفع من عرفة قبل الغروب.

لا خلاف بين أهل العلم أن من وقف بعرفة ليلاً ولم يدرك جزءاً من النهار أن حجه صحيح ولا شيء عليه. قال في " الشرح الكبير": لا نعلم فيه خلافاً.

وإنما اختلفوا فيمن دفع من عرفة قبل الغروب على أقوال منها:

القول الأول: لا يجوز الدفع من عرفة قبل الغروب، ومن فعل ولم يرجع فعليه دم.

وهو قول الحنفية وأحد القولين عند الشافعية وقول الحنابلة وهو قول عطاء، والثوري، وأبي ثور.

واستدلوا على تحريم الدفع قبل الغروب بفعله – صلى الله عليه وسلم -، حيث لم يدفع إلا بعد غروب الشمس، والاقتداء بفعله هذا متعين؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني مناسككم ".

القول الثاني: جواز الدفع قبل الغروب، فمن دفع فلا دم عليه، ولا يلزمه الرجوع، ولكن خالف السنة.

وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، واختاره النووي وهو مذهب ابن حزم

واستدلوا بما يلي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير