ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه ابن أبي عاصم في السنة من حديث أنس - t- ص41 رقم 82 - 83 - 84، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 218، وحسنه الألباني في ظلال الجنة المطبوع مع السنة ص41 - 42، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 319 - 320 رقم 1331.
(2) البداية والنهاية لابن كثير 8/ 138.
(3) المصدر نفسه.
(4) المصدر نفسه.
وقال رجل لمعاوية: (ما رأيت أنذل منك، فقال معاوية: بلى من واجه الرجال بمثل هذا). (1)
فهل يعقل بعد هذا أن يسع حلم معاوية - t- سفهاء الناس وعامتهم المجاهرين له بالسب والشتائم، وهو أمير المؤمنين، ثم يأمر بعد ذلك بلعن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب على المنابر، ويأمر ولاته بذلك في سائر الأمصار والبلدان. الحكم في هذا لكل صاحب عقل وفهم؟؟
وأما ما استدل به الرافضي على تلك الفرية بما عزاه إلى صحيح مسلم فليس فيه ما يدل على زعمه، وهو بهذا إنما يشير إلى حديث عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: (أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله r فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم ... ) (2) الحديث.
قال النووي: «قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب. كأنه يقول: هل امتنعت تورعاً، أو خوفاً، أو غير ذلك، فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
(1) البداية والنهاية 8/ 138.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي - t-) 4/1871.
السب فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعد قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار، أو أنكر عليهم، فسأله هذا السؤال. قالوا ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا، وأنه أخطأ». (1)
وقال القرطبي معلقاً على وصف ضرار الصُّدَائي لعلي - t- وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاوية من ذلك، وتصديقه لضرار فيما قال (2): «وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي - t- ومنزلته، وعظيم حقه، ومكانته، وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) شرح صحيح مسلم 15/ 175.
(2) تقدم تخريج هذا الخبر ونقل طرف منه ص 247 - 248.
لمستحقه). (1)
والذي يظهر لي في هذا والله أعلم: أن معاوية إنما قال ذلك على سبيل المداعبة لسعد، وأراد من ذلك استظهار بعض فضائل علي - t- فإن معاوية - t- كان رجلاً فطناً ذكياً، يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم، فأراد أن يعرف ما عند سعد في علي -رضي الله عنهما- فألقى سؤاله بهذا الأسلوب المثير. وهذا مثل قوله - t- لابن عباس: (أنت على ملة علي؟ فقال له ابن عباس ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله r). (2) فظاهر أن قول معاوية هنا لابن عباس جاء على سبيل المداعبة، فكذلك قوله لسعد هو من هذا الباب، وأما ما ادعى الرافضي من الأمر بالسب فحاشا معاوية - t- أن يصدر منه مثل ذلك والمانع من هذا عدة أمور:
الأول: أن معاوية نفسه ما كان يسب علياً - t- كما تقدم حتى يأمر غيره بسبه، بل كان معظماً له، معترفاً له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) المفهم للقرطبي 6/ 278.
¥