تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا).

- ولأمر الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.

فهذا نص على أن مجرد الأمر يثبت به الوجوب، وأما النهي فطريق آخر للوجوب، فإذا اجتمعا كان الوجوب أقوى.

فإذا كان الأمر العام ضعيفا في الإيجاب، فإن في اتباعه بالفعل النبوي تقوية، وفي الترخيص فيه لأحد لعذر: ثبوت لوجوبه. وفي حال لم يرخص لأحد: فتأكيد لوجوبه.

وفي كل حال: هذا الاستدلال لا يصلح أن يكون صارفا؛ لبطلانه من الأساس.

الدليل الرابع:

قالوا: "لو كان الرمي قبل الزوال منهيا عنه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا، حينما أجاب السائل الذي سأله عن رميه بعدما أمسى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز".

ألا يكفي في البيان الشافي: أمره العام، وفعله، وعدم الترخيص لأحد، أو الترخيص لفئة؟.

هكذا ثبتت واجبات، كالوقوف بعرفة حتى الغروب، والمبيت بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، والجمار، والمبيت بمنى. وهذه وإن خالف في وجوب بعضها أحد، إلا أنه لا أحد يقول بعدم وجوب شيء منها. فتلك التي وجبت منها: كيف استدل على وجوبها إذن؟!.

فهذا كذلك استدلال ليس بصارف.

الدليل الخامس:

قالوا: "رمي الرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الزوال، بمثابة وقوفه بعرفة بعد الزوال إلى الغروب. ومن المعلوم: أن الوقوف بعرفة لا ينتهي بذلك الحد، بل الليل كله وقت وقوفه أيضا".

وقت الوقوف بعرفة لا ينتهي عند الغروب لورود نص فيه، هو حديث عروة بن مضرس.

فأين مثل هذا النص في الرمي قبل الزوال؟.

الدليل السادس:

"واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:

(أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاة أن يرموا جمارهم بالليل، أو أية ساعة من النهار). أخرجه الدارقطني، وفي إسناده ضعف، وله شواهد عن ابن عباس، وابن عمر لا تخلو من ضعف".

لن نلتفت إلى ما قيل في الأثر من ضعف، بل نعامله معاملة الصحيح، وله جواب، هو: أن فيه ترخيصا. وذلك دليل وجوبه، فلولا أنه واجب لما احتاجوا إلى ترخيص الشارع.

ومعنى ذلك: أن المضطر وصاحب الحاجة ليس كغيره. فلا يكون حكما عاما إذن.

فإنه من الفرق الكبير أن يقال: لصاحب العذر أن يترخص بالرمي قبل الزوال دون غيره.

وأن يقال: له أن يرمي قبل الزوال بدون عذر.

فالأول حكمه الوجوب، والثاني حكمه الاستحباب. والأثر - إن صح - يدل على الوجوب.

هذا لو سلمنا بصحة دلالة الأثر على دعواهم؛ فإنه من الممكن حمل هذه الساعة من النهار، على ما بعد الزوال، ليتفق مع فعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه، وحرصهم على تحيّن الزوال.

والقاعدة: أنه لا يلجأ إلى الترجيح، مع إمكانية الجمع. والجمع هنا غير محال.

فهذا الدليل عليهم لا لهم.

وفي خصوص رمي الرعاة ورد الأثر التالي في مصنف ابن أبي شيبة [3/ 260. رقم 14110] في الحج، في الرعاة كيف يرمون؟.

عن نافع عن ابن عمر: (أنه كان يجعل رمي الجمار نوائب بين رعاة الإبل، يأمر الذي عنده، فيرمون إذا زالت الشمس، ثم يذهبون إلى الإبل، ويأتي الذين في الإبل فيرمون، ثم يمكثون، حتى يرمونها من الغد إذا زالت الشمس).

فهذا ترتيب الصحابي لرمي الرعاة، إنما كان بعد الزوال. فأين هم عن الرخصة لو ثبتت، هل نسوها، وهم أحرص الناس على الترخص؟!.

وأين ابن عمر عنها، هل خفيت عليه؟!.

هذا مع أن الرخصة لا تنافي الوجوب، لكن عدم الترخيص أقوى، وكلاهما واجب، لكن الوجوب على مراتب، وهذا معلوم.

* * *

إذن كل هذه النصوص وأوجه الاستدلال لا تنهض أن تكون صارفة، إما لضعفها، أو لبطلانها، غاية ما فيها الترخص، وهو دليل الوجوب، ليس الاستحباب.

وبهذا يثبت الشرط الثالث من شروط الوجوب في مناسك الحج، وهو:

- أن يرد عليه الترخيص لفئة. فإن لم يرخص فهو أقوى في الوجوب؛ لكنه يأتي مع الأمر العام.

فالرمي بعد الزوال، إذا أخذنا بالأثر الآنف في رمي الرعاة في أية ساعة من النهار، فيكون ورد عليه ترخيص لفئة، فهو دليل الوجوب، حيث لم يرخص للعموم.

وإن أخذنا بالدلالات السابقة الأقوى، فيقال: لم يرد فيه ترخيص.

حيث لم ينقل عن الصحابة رميهم قبل الزوال، وكان الذين معه مائة ألف، أفلا يوجد فيهم من يترخص، كما ترخصوا في المبيت وجمع الرمي؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير