تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نقاش الجمهور للمخالفينقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (18

20) بعد ذكر الخلاف بين البخاري ومسلم: «وقد يكون الصواب مع مسلم. وهذا أكثر مثل قوله في حديث أبي موسى: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا" فإن هذه الزيادة صححها مسلم وقبله أحمد بن حنبل وغيره وضعفها البخاري. وهذه الزيادة مطابقة للقرآن فلو لم يرد بها حديث صحيح لوجب العمل بالقرآن فإن في قوله: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} أجمع الناس على أنها نزلت في الصلاة، وأن القراءة في الصلاة مرادة من هذا النص (وقد سبقه أحمد بنقل هذا الإجماع). ولهذا كان أعدل الأقوال في القراءة خلف الإمام أن المأموم إذا سمع قراءة الإمام يستمع لها وينصت لا يقرأ بالفاتحة ولا غيرها. وإذا لم يسمع قراءته بها يقرأ الفاتحة وما زاد. وهذا قول جمهور السلف والخلف. وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وجمهور أصحابه. وهو أحد قولي الشافعي. واختاره طائفة من محققي أصحابه. وهو قول محمد بن الحسن وغيره من أصحاب أبي حنيفة. وأما قول طائفة من أهل العلم كأبي حنيفة وأبي يوسف: أنه لا يقرأ خلف الإمام لا بالفاتحة ولا غيرها لا في السر ولا في الجهر، فهذا يقابله قول من أوجب قراءة الفاتحة ولو كان يسمع قراءة الإمام كالقول الآخر للشافعي وهو الجديد. وهو قول البخاري وابن حزم وغيرهما. وفيها قول ثالث: أنه يستحب القراءة بالفاتحة إذا سمع قراءة الإمام وهذا مروي عن الليث والأوزاعي وهو اختيار جدي أبي البركات. ولكن أظهر الأقوال قول الجمهور، لأن الكتاب والسنة يدلان على وجوب الإنصات على المأموم إذا سمع قراءة الإمام. وقد تنازعوا فيما إذا قرأ المأموم وهو يسمع قراءة الإمام: هل تبطل صلاته؟ على قولين، وقد ذكرهما أبو عبد الله بن حامد على وجهين في مذهب أحمد. وقد أجمعوا على أنه فيما زاد على الفاتحة كونه مستمعا لقراءة إمامه، خير من أن يقرأ معه. فعُلِمَ أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ مع الإمام. وعلى هذا فاستماعه لقراءة إمامه بالفاتحة يحصل له به مقصود القراءة وزيادة تغني عن القراءة معه التي نهي عنها. وهذا خلاف إذا لم يسمع، فإن كونه تالياً لكتاب الله يثاب بكل حرف عشر حسنات خيراً من كونه ساكتاً بلا فائدة، بل يكون عرضة للوسواس وحديث النفس الذي لا ثواب فيه. فقراءة يثاب عليها خيراً من حديث نفس لا ثواب عليه. وبسط هذا له موضع آخر».

أي احتج ابن تيمية على أبي حنيفة بعدم وجود مسوغ للإنصات في السرية، فالآية ليست حجة لهم. وأن يقرأ في صلاة السر خير له من أن يبقى صامتاً. أما مذهب ابن حزم وبعض الشافعية في إبطال صلاة من لا يقرأ الفاتحة خلف الإمام في صلاة الجهر، فيرد عليهم بأن هذا قول محدث خلاف الإجماع. قال أحمد بن حنبل (وهو من هو في سعة اطلاعه وتشدده في الإجماع): «ما سمعنا أحداً من أهل الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ». وقال: «هذا النبي (ص) وأصحابه والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في أهل مصر، ما قالوا لرجل صلى خلف الإمام وقرأ إمامه ولم يقرأ هو: صلاته باطلة». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الإمام أحمد ذكر إجماع الناس على أنها لا تجب في صلاة الجهر».

واحتج الجمهور بأن جمهور العلماء متفقون على أن الإمام إذا لم يقرأ وقرأ من خلفه، لم ينفعهم قراءتهم. فدل على أن قراءة الإمام هي التي تراعى، وأن قراءته: قراءة لمن خلفه. قال ابن عبد البر في الاستذكار (4

243): «وجمهور العلماء مجمعون على أن الإمام إذا لم يقرأ، وقرأ مَن خلفه لم تنفعهم قراءتهم». واحتجوا كثيراً باتفاق العلماء على أن المؤتم إذا أدرك الصلاة والإمام راكع، أن صلاته صحيحة وأنه أدرك الركعة، مع أنه لم يقرأ بها. فدل على أن قراءة الإمام تكون قراءة له. وفي الاستذكار (5

67): «وأجمعوا أن إدراك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام».

واحتج الجمهور بأن الإمام يجهر ليُسمع المأمومين –ولذلك يؤمنون على قراءته–، فإذا انشغل المأمومون بالفاتحة فما الفائدة من جهر الإمام؟ فيكون الإمام كأنه مأمور بأن يقرأ على قوم لا يستمعون إليه. ثم لو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم لَلَزِمَ أحد أمرين: إما أن يقرأ مع الإمام، أو أنه يجب على الإمام السكوت حتى يقرأ المأموم الفاتحة. والأول منهي عنه بنص القرآن، والثاني لم يقل به أحد، وحديث "السكتتين" في الصلاة لا يصح. فإن قيل: أن وجوب القراءة قد استفيد بحديث "لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب" فيخصص الآية، قيل عمومه مخصوص بمن أدرك الإمام راكعا لحديث أبي بكرة، و الآية عامة في وجوب الإنصات في الصلاة و عمومها محفوظ. ولا شك أن العموم المحفوظ مقدم على العام الذي دخله التخصيص، كما هو مقرر في أصول الفقه. قال الألباني في ضعيفته (2

419): «وليس هناك حديث صريح صحيح لم يدخله التخصيص يوجب القراءة في الجهرية».

فالخلاصة أن الذي يقتضيه القرآن والحديث والأثر والقياس والنظر أن المؤتم لا يقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن في صلاة السر، ولا يقرأ إذا جهر الإمام لا الفاتحة ولا غيرها. وهو قول جماهير السلف والخلف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير