2. أن الواجب: قراءة الفاتحة (وهو موضع الخلاف).
وقد يُقال: إن ذلك يكون في الصلاة السِّرِّيَّة لا في الجهرية، لكن يُبَيِّنُ ذلك إطلاق كلمة (صلاةَ) فهي نكرة في سياق النفي، وتلك من صيغ العموم المعروفة، فتعم كل صلاةِ جهرٍ وسرٍّ ونفلٍ وفرضٍ ...
خامسا:أما الأدلة العقلية، فلا يحتج بها
أرشدك مرة أخرى إلى كلام للأخ محمد
وهذه مخصوصةٌ بأحاديث إيجاب القراءة، وقد سبق بيان وجه تخصيصها للآية.
ب- حديث أبي موسى وأبي هريرة، وفيه: «وإذا قرأ فأنصتوا»، وهذا - إن صحَّت هذه الزيادة، وإلا فإنها معلولة - مخصوصة بأحاديث إيجاب القراءة، وقد سبق بيان وجه ذلك.
ج- حديث أبي هريرة، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاةً جَهر فيها بالقراءة، ثم أَقْبَلَ على الناس بعدَما سَلَّم، فقال: «هل قرأ منكم أحدٌ معي آنفاً» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «إني أقولُ ما لي أُنازَعُ القرآن»، فانتهى الناسُ عن القراءة مع رسول الله فيما يَجْهَرُ به من القراءة، حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
لكن الاستدلال به - إن صحَّ، فقد ضُعِّف - مردودٌ من وجوه:
الأول: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما لي أُنازَعُ القرآن» يدل على أن المأمومين جهروا بالقراءة خلفه - صلى الله عليه وسلم -، وإلا لما اعتبرهم نازعوه القراءة، فهو نهي عن الجهر بالقراءة خلف الإمام، ولا يدل على النهي عن قراءتها في النفس سِرَّاً.
قال ابن حبان [في صحيحه، في التعليق على حديث أبي هريرة]: (فانتهى الناسُ عن القراءة: أراد به رَفْعَ الصوتِ خلفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - اتِّباعاً منهم لزجرِهِ عن رفعِ الصوتِ والإمامُ يَجْهَرُ بالقراءة في قوله: «ما لي أُنازَعُ القرآنَ»).
قال الشوكاني (النيل: 1/ 787): (وهو خارج عن محل النزاع، لأن الكلام في قراءة المُؤتَمِّ خلف الإمام سِرَّاً، والمنازعة - يعني: بهذا الحديث - إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره).
كل هذا على فرض صحة الاعتراض بقوله: (فانتهى الناس ... ).
الثاني: أن قوله: (فانتهى الناس عن القراءة ... ) مدرج من كلام الزهري وليس من كلام أبي هريرة - كما ذكر الأئمة، وعلى رأسهم: محمد بن يحيى الذهلي والبخاري ... -.
الثالث: أن أبا هريرة هو الذي روى حديث: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداج»، وهو أصح (أخرجه مسلم)، وقد أفتى - رضي الله عنه - بعد روايته لهذا الحديث بقراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام، حيث قال: اقرأ بها في نفسك. وهذه عِلَّةٌ للحديث الذي يُعترض به: «ما لي أنازع القرآن».
الرابع: أن حديث أبي هريرة عامٌّ، يخصصه حديث عبادة في الصحيحين، وحديثه الذي في السنن، وكذا حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة - وقد سبق بيان وجه ذلك -.
قال الشوكاني (النيل: 1/ 787): ( ... وأيضاً لو سُلِّم دخول ذلك - يقصد: حديث أبي هريرة - في المنازعة، لَكَان هذا الاستفهام الذي للإنكار عاماً لجميع القرآن أو مطلقاً في جميعه، وحديث عبادة خاصاً ومقيداً).
د- من دليل العقل: أن الإمام يجهر ليُسمع المأمومين- ولذلك يؤمنون على قراءته -، فإذا انشغل المأمومون بالفاتحة فما الفائدة من جهر الإمام؟ فيكون الإمام كأنه مأمور بأن يقرأ على قوم لا يستمعون إليه.
والجواب عن هذا: أن يقال: إن الدليل دلَّ - صريحاً - على أن المأمومين يقرؤون الفاتحة خلف الإمام ولو جهر، فلا نعترض على ذلك بعقل، وهذا قياس مقابل النص، فهو مُطَّرح (انظر: الشرح الممتع، للعثيمين: 3/ 302).
ه- من دليل العقل: أنه لو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم لَلَزِمَ أحد أمرين: إما أن يقرأ مع الإمام، أو أنه يجب على الإمام السكوت حتى يقرأ المأموم الفاتحة، والأول منهي عنه، والثاني لم يقل به أحد.
والجواب عن هذا: أنَّ قولَهُ: (إن الأولَ منهي عنه) ليس على إطلاقه، فقد ثبت إيجابه - لا جوازه فقط - في قراءة الفاتحة - فحسب -، وأجبنا عما ثبت من الأدلة على النهي عن القراءة فيما سبق.
و- من العقل أيضاً: أن المأمومين لو قرؤوا والإمام يقرأ فلم يستمعوا لقراءته، فكيف يؤمنون على شيء لم ينتبهوا له.
¥