فالفتوى تحتاج إلى تأمل
شيخنا الفاضل:
الفقهاء يتكلمون على الأحكام العملية، ويطلقون " البدعة " على بعض المخالفات، والأمثلة كثيرة جدّاً، والشيخ رحمه الله انتقد فعلهم لأنه مخالف لهديهم في الحكم على المخالفات لا أنه لا يطلقونه البتة.
ولا يخفاك إن شاء الله أن طائفة كبيرة من أهل العلم أطلقوا " البدعة " على كل حادث لم يوجد في الكتاب والسنة، في العادات أم في العبادات، مذموما أو غير مذموم - ومن أشهرهم: العز بن عبد السلام من الشافعية، وابن عابدين من الحنفية، وانظر " الموسوعة الكويتية " (8/ 21) - ومنه قالوا: بدعة مكروهة، وبدعة محرمة ... .
وكتب الفقهاء لا تخلو من الحكم على ما يستحق البدعية بهذا المصطلح، فالقول بأنه غير مستعمل عند الفقهاء فيه نظر، وكلام الشيخ رحمه الله أقوى في أنه ألزمهم بالتقسيم الموافق لهدي إطلاقاتهم.
وهذه أمثلة - من الموسوعة الكويتية -:
1. وقال المالكيّة: يكره حلق شعر الميّت الّذي لا يحرم حلقه حال الحياة كشعر الرّأس , فإن كان يحرم حلقه حال الحياة - وهو شعر اللّحية - حرم , قال الدّردير: وهو بدعة قبيحة لم تعهد من السّلف.
2. لا استنجاء من الرّيح. صرّح بذلك فقهاء المذاهب الأربعة. فقال الحنفيّة: هو بدعةٌ، وهذا يقتضي أنّه عندهم محرّمٌ، ومثله ما قاله القليوبيّ من الشّافعيّة، بل يحرم، لأنّه عبادةٌ فاسدةٌ.
3. تحنيك العمامة أن يدار منها تحت الحنك كور أو كوران، ويسنّ تحنيكها عند المالكيّة والحنابلة، ومحصّل الكلام في ذلك عندهم: أنّ العمامة بغير تحنيك ولا عذبة بدعة مكروهة.
ومن تأمل كلا اللفظين - المعصية، والبدعة - علم أنه لا يساعد من قال بأن الأمر يكون معصية وبدعة في الوقت ذاته، أما أن يكون بدعة ومعصية فهذا ممكن - وسبق هذا قبل قليل -.
فالمعصية: خلاف الأمر.
والبدعة: إحداث أمر.
وفي الشرع:
المعصية: خلاف أمر الشارع
والبدعة: إحداث عبادة بقصد التقرب إلى الله - إما أن تكون بدعة أصلية أو إضافية -.
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[22 - 05 - 07, 04:12 م]ـ
وأخيراً
وعندي سؤال شيخنا الفاضل أود المباحثة فيه معك إن أذنت لي - للفائدة والمدارسة -:
لو أن صحابيّاً رغب بالتقرب إلى الله تعالى بعبادة، ثم نهاه عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بتركها، وأخبر أنها على خلاف هديه صلى الله عليه وسلم، فالسؤال:
1. هل يُقال إنه فعل بدعة - على اعتبار أنه باشر بها -.
2. وهل نحكم على من أراد أن يفعل فعله ممن بعده من المسلمين بالمعصية أم بالبدعة؟
طبعا لا يخفاك أن الأمثلة على هذا كثيرة، ومنها - مثلا - حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يقوم في الشمس ولا يجلس ولا يستظل ولا يكلم أحداً ...
وبعده سنصل إلى الأمر الآخر - وهو المقصود مما سبق -:
ماذا لو كان الفعل من الصحابي ليس قربة يتقرب به إلى الله، ثم نهاه عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنه على خلاف هديه.
مع التنبيه المهم على:
أن الأمر الأول نهي عنه ولم يترتب عليه أجر ولا حكم
والثاني: نهي عنه ولزم الحكمُ قائلَه.
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[22 - 05 - 07, 04:28 م]ـ
قول ... إحسان ((أو المخالف للسنة)). وأظنهم هو الذي عنوه بالبدعي أي مخالف للسنة.
حفظك الله أخي
قد نقلت نقولات كثيرة عمن قال بعدم وقوعه باعتباره بدعة شرعية! واستدلوا بحديث " من أحدث في أمرنا ... " و " من عملا عملا ... "
وهو يدل على أنهم قصدوا اللفظ ومعناه
ـ[المقرئ]ــــــــ[22 - 05 - 07, 07:53 م]ـ
ما يزال السؤال قائماً، وهو أن هذا الفعل هو معصية وليس بدعة، وهكذا هي أصول الحكم على المخالفة التي (معصية) والمخالفة التي هي (بدعة)، فأين التقرب إلى الله في الطلاق في الحيض؟ نعم له صور قد تحتف به كما هو الحال في البدعة في العادات، أما بذاته فصعب.
علمت محل إشكالك بارك الله فيكم ونفع بكم:
وجوابه أن البدعة في الطلاق تقع على ضربين ووصفين: من جهة الوقت ومن جهة العدد
فيقال مثلا: طلقها في زمن البدعة
وذلك أن المرأة ستتعبد لله إذا أوقعنا الطلاق = بالعدة وتفعل ما يفعله المطلقات في العدة
فهي الآن تتعبد لله في زمن لم يشرعه الله تعالى ولم يأمر به
هذا هو وجه تسميته بالبدعة ولهذا تجد الفقهاء يقولون:
الصغيرة ليس لطلاقها سنة ولا بدعة من جهو الوقت = مع أنها تطلق بشريعة الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
ولكن بما أن مقصودهم التعبد لله في هذا الزمن الذي لم يشرعه الله صار بدعيا
وكذلك غير المدخول بها = لا بدعة لطلاقها ولا سنة = مع أنها تطلق بشريعة الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
ولكن المقصود هو التعبد لله بالعدة
فإن قلت وعلى رأي من لا يوقع الطلاق في الزمن البدعي فلماذا يسمى بدعيا مع أنها لا تعتد؟
فالجواب: أن هذا أشد وضوحا من الأول وذلك أن الأصل في الطلاق هو أن يوقع الفرقة في زمن السنة فطلاقه في وقت البدعة واختياره له يدل على مقارفته للبدعة والوقوع بها
¥