تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

5) وبناء على ما تقدم فإنّا نقول: إن مجرد تضرّر الإنسان النفسي بنظرته الدونية لنفسه في أمور الجمال وأوصافه لا يكفي لاستباحة أي فعل محرم عليه.

فإن الضرر النفسي والحزن والهم وإن كانت معتبرة في زيادة ثواب الإنسان وتكفير سيئاته كما ورد في الحديث المرفوع: (ما يصيب المؤمن من هم ولا نصب ولا وصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه). ([23])

ومع أن الشرع راعاه بمنع تسبب الإنسان في إيذاء أخيه ما يحزنه، لكنه غير معتبر في الشرع في تخفيف التكليف عن العبد، وغير معتبر في استباحة ما حرم الله سبحانه وتعالى.

سئل ابن تيمية عن رجل له مملوك هرب منه ثم رجع أخفى سكينة وقتل نفسه.

فأجاب: " لم يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه، بل كان عليه إذا لم يمكنه دفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرّج الله، فإن كان سيّده ظلمه حتى فعل ذلك مثل أن يقتّر عليه في النفقة أو يعتدى عليه في الاستعمال أو يضربه بغير حق فإن على سيّده من الوزر بقدر ما نسب إليه في المعصية ". ([24])

فالتكليف مناطه الاستطاعة فمن قدر على امتثال الأوامر والنواهي لزمته، ولو كان فيها ما يكرهه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). ([25])

كما أن الضرر النفسي والحزن من الأمور التي لا تنضبط فما يحزن أحدًا قد لا يحزن غيره، ومقدار الحزن ووقت تحققه وطريقة زواله متفاوتة بين الناس ومثل هذه الأمور غير المنضبطة لا يعلّق الشرع عليها أحكامًا.

فإنها (ما دامت خفيّة مضطربة مختلفة باختلاف الصُّوَر والأشخاص والأزمان والأحوال فإنه لا يمكن معرفة ما هو مناط الحكم إلا بالبحث الشديد .. ونحن نعلم بالاستقراء من ذات الشارع رد الناس في مثل هذا إلى المظان الظاهرة الجليّة دفعاً للتخبيط , وإزالة للتغليط ونفياً للحرج والمشقة والعسر والضرر , ألا ترى أنّ المشقّة لما لم تنضبط ويختلف الناس فيها باختلاف الأشخاص والأحوال رد الشارع في وجوب القصر والفطر بسببها إلى مظنتها في الغالب وهو السَّفَر). ([26])

ونبينا عليه الصلاة والسلام تشهد سيرته بمواقف شَدّد فيها على التزام التكاليف الشرعية رغم ما يشوبها من ضرر نفسي ..

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ لي ابنةً عُرّيسًا أصابتها حصبة فتمرّق شعرها، أفأصله؟ فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة). ([27])

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنّ ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفتكتحلُها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مرتين أو ثلاثًا). ([28])

رابعًا: حكم العمليات التجميليّة:

تقدّم أن العمليات التجميليّة منها عمليات لا بد من إجرائها ومنها عمليات اختياريّة فالعمليات التجميليّة التي لابد منها لتضمنها علاجًا لمرض ما، أو للحاجة إليها؛ فإنَّ الباحثين المعاصرين يجيزون إجراءها ومنهم من قيدها بشروط تشمل كل أنواع العمليات الجراحيّة. ([29])

ويستدل على جوازها بأنّها نوع من التداوي، فهي إما علاج لمرض أو إصلاح لعيب محسوس والتداوي مشروع، كما أن هذه العمليات لا يقصد بها التجميل قصدًا أوليًا بل جاء التجميل تابعًا لإزالة الضرر ومعلوم أن التابع لا يفرد بحكم. ([30])

أمّا العمليات التجميليّة الاختيارية، والتي يطلق عليها: جراحة التجميل التحسينيّة فقد اختلف المعاصرون فيها على اتجاهين:

الاتجاه الأول: يرى المنع منها وتحريمها؛ لأنّ فيها تغييراً لخلق الله تعالى؛ ولأنه قد وردت نصوص تدل على منع الوشم والنمص والتفليج والوصل وذلك لما فيها من تغيير طلبًا للتحسين وهذا المعنى موجود في هذه العمليات، ولما فيها من غش وتدليس وأضرار ومضاعفات إلى غير ذلك من الأدلة. ([31])

الاتجاه الثاني: يرى أن تبحث كل عملية تجميليّة لوحدها، إذ من هذه العمليات ما دل الشرع على تحريمه والمنع منه، ومنه ما يمكن قياسه عليها، ومنها ما بحثه الفقهاء سابقًا أو يمكن تخريجه على أقوالهم فلا تجعل العمليات من هذا النوع كلها في مرتبة واحدة. ([32])

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير