تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- وأمّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإنّ التأويل الأول للشافعي وإن كان مشتملا على غرر لعدم استقرار الثمن لما فيه من الإبهام والتعليق، إلاّ أنّه لا يدخل الربا في هذه الصورة (58)، ولا توجد صفقتان في هذا البيع، وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين، ولأنّ الإبهام ينتفي في حالة قبول المشتري إحدى الصورتين، وتأويله الثاني وإن اشتمل على غرر لعدم استقرار العقد بسبب تعليقه بشرط مستقبل يمكن وقوعه وعدم وقوعه، إلاّ أنّه مجزوم بشرط واحد لا بشرطين ومجرّد عن صورة النهي عن بيعتين في بيعة، وعليه فإنّ أرجح تفسير لمعنى الحديث الذي لا معنى له غيره هو تفسيره ببيع العينة، لأنّ فعله لا يخلو عن أحد الأمرين: إمّا أن يأخذ الثمن الزائد فيربي، أو الثمن الأوّل هو أوكسهما، وهذا موافق لحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة" (59)، ومطابق "للنهي عن شرطين في بيع"، وأيضا "عن سلف وبيع" (60)، لأنّ الظاهر منها بيع وفي الحقيقة ربا.

- وأمّا حديث الأوزاعي وإن كان من المراسيل فهو صالح للاعتضاد به بالاتّفاق، وله من المستندات والشواهد ما تقوّيه.

- وأمّا حديث العالية بنت أنفع، فقد قال صاحب "التعليق المغني" فيه ما يلي: قال في "التنقيح": إسناده جيّد، وإن كان الشافعي لا يثبت مثله عن عائشة، وكذلك الدارقطني، قال في العالية: هي مجهولة لا يحتج بها، فيه نظر، فقد خالفه غيره، ولولا أنّ عند أمّ المؤمنين علماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ هذا محرّم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد، قال ابن الجوزي: قالوا: العالية امرأة مجهولة لا يقبل خبرها، قلنا: بل هي امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في "الطبقات" (61) فقال: العالية بنت أنفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة" (62).

قال ابن التركماني: "العالية معروفة روى عنها زوجها وابنها وهما إمامان، وذكرها ابن حبّان في الثقات من التابعين، وذهب إلى حديثها هذا الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه ومالك وابن حنبل والحسن بن صالح" (63).

وفي الحديث قصّة وسياق يدلّ على أنّه محفوظ، وأنّ العالية لم تختلق هذه القصة ولم تضعها، كما أنّه لا يقال أنّ زيدا خالف عائشة رضي الله عنها وهو من الصحابة، لأنّه قام بفعله لا بقوله، وفعل المجتهد لا يدلّ على قوله على الراجح، لاحتمال تأويل أو سهو أو غفلة أو رجوع عن العقد، ولم يُنقل عن زيد أنّه صرّح بقوله أنّ هذا الفعل حلال ولا أصرّ في ذلك.

- ويحتمل -من جهة أخرى- أنّ ثمن الجارية قد نقص عن حالة المبيع فإنّ تقص الثمن لنقص المبيع جائز لانتفاء ذريعة الربا فيه.

- وفيما يتعلّق بحديث أنس فالقول بأنّ الأمر والنهي يشتبه في صيغته ومعانيه، لذلك يحتمل اعتقاد الراوي ما ليس بأمر أمرا وما ليس بنهي نهيا لاختلاف الناس في الأمر والنهي، فيكون أنس قد رواه بالمعنى فظنّ ما ليس بتحريم كذلك.

فجوابه أنّ الصحابي أعلم بمعاني النصوص، وأنّه لا يمكنه التصريح بنقل الأمر أو التحريم إلاّ بعد سماع ذلك منه صلى الله عليه وسلم وجزمه بوجود حقيقة الأمر والنهي أو غيرهما، لأنّ حقيقة الأمر والنهي مستفادة من اللغة، والصحابة أهل اللغة، ولم يكن في عصرهم خلاف في صيغة الأمر والنهي، بل كان معلوما بالضرورة من لغتهم من غير اشتباه، والخلاف في الصيغة إنّما وقع بعد عصر الصحابة بكثير (64).

قال ابن القيّم: "واحتمال خلاف هذا كاحتمال الغلط والسهو في الرواية بل دونه، فإن رُدّ قوله: "أمر" ونحوه بهذا الاحتمال وجب رَدّ روايته لاحتمال السهو والغلط، وإن قبلت روايته وجب قبول الآخر" (65).

لذلك تعين الرجوع إلى الصحابة في فهم معاني الألفاظ والصيغ، سواء كانت لغوية أو شرعية.

- أمّا الأخذ بمبدأ سدّ الذرائع فلا يصح التوسع فيه لئلاّ يفضي إلى المنع ممّا هو حلال من جهة، ويؤدّي من جهة أخرى إلى حمل حال الناس على التهم.

قال أبو زهرة: إنّ الأخذ بالذرائع لا تصح المبالغة فيه، فإنّ المغرق فيه قد يمتنع عن أمر مباح أو مندوب أو واجب، خشية الوقوع في الظلم (66).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير