تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- أمّا الاستدلال بآية: (وأحلّ اللهُ البَيْعَ) إن سُلِّم بعمومه فإنّ ظاهره مصروف بقرينة العرف المعهود، ذلك لأنّ غالب تعاقد المتبايعين بهذه الصورة هو التدرّع بها إلى المحرّم، والشيء المتعارف عليه ينزل منزلة الشرط المنصوص، وغالب الشيء يقوم مقام كله، فكان إبطال بيعها هو مقتضى الظاهر.

- ومن جهة أخرى فإنّ الاستدلال بعموم الآية السابقة وحديث الباب وحديث أبي سعيد وأبي هريرة في قوله صلى الله عليه وسلم: "بع التمر" على صحّة بيع العينة وجوازها، فهو عموم غير مسلّم، ذلك لأنّ اللفظ غير عام بل هو لفظ مطلق، والأمر المطلق بالبيع إنّما يقتضي البيع الصحيح، لأنّ البيع الباطل غير مأذون فيه، ولأنّ الحقيقة المطلقة مشتركة بين الأفراد، والقدر المشترك ليس هو ممّا يميز به كلّ واحد من الأفراد عن الآخر، ويكتفي في العمل به بصورة واحدة، وعلى هذا الأساس يكون عامّا لها على سبيل البدل لا على سبيل الجمع، وهو معنى المطلق، وإرادة القدر المشترك بين أفراد البيع إنّما تنصرف إلى البيع المعهود عرفاً وشرعاً (67).

وعلى فرض التسليم بأنّ لفظ الحديث عام فإنّه يُخصّص منه الصورة السابقة بالنصوص المتقدّمة، وإن اعترض بسبب ضعفها، فإنّ اللفظ يخصّص بالأدلة الصحيحة الواردة في بطلان الحيل وإضعافها (6?).

د- سبب اختلاف العلماء

يرجع سبب اختلاف العلماء في هذه المسألة إلى المواضيع الأصولية التالية:

- هل يصحّ الأخذ بمبدأ الذرائع؟

- هل قول الصحابي حجّة على انفراده؟

- هل لفظ الحديث في قوله: "بع التَّمْر" عام أو مطلق؟

- هل كلّ مجتهد مصيب؟

فمن خالف مبدأ الذرائع ولم يعتدّ به كأصل من أصول الفقه (69)، ورأى أنّه لا حجّة في قول الصحابي على انفراده في الاجتهاد المحض ولا يجب على من بعده تقليده (70)، ورأى –أيضاً- أنّ لفظ الحديث عام لعدم التفصيل بين أن يبيعه ممّن باعه أو من غيره، ولا بين أن يقتصد التوصّل إلى شراء الأكثر أولا، أخذا بقاعدة: "ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال"، الأمر الذي لا تقوى النصوص الأخرى على معارضته، كما رأى تصويب كلّ من عائشة وزيد –رضي الله عنهما- بناء على أنّ كلّ مجتهد في فروع الشريعة مصيب، عمل بمقتضى هذا العموم، وقال: يجوز بيع العينة ويصحّ العقد بها.

- ومن اعتبر مبدأ الذرائع كأصل من أصول الفقه (71)، ورأى أنّ قول الصحابي بالاجتهاد المحض حجّة شرعية مقدّمة على القياس (72)، ورأى أنّ لفظ حديث الباب مطلق لا عام (73)، وأنّ النصوص المعارضة معضِّدة، كما رأى أنّه ليس كلّ مجتهد مصيبا، لأنّ الحق واحد غير متعدّد، قال: بيوع العينة محرّمة ويبطل العقد بها.

هـ- الترجيح

والمتأمّل في نظرة الفقهاء إلى هذه المسألة يدرك أنّ الاتجاه الأوّل -المتمثّل في مذهب الجمهور- نَظَر إلى الأفعال والأحكام من حيث الغاية والمآل والمقصد نظرة مجرّدة، خلافا للاتّجاه الثاني -المتمثّل في مذهب الشافعية والظاهرية- الذي نظر إلى الأحكام الظاهرة والأفعال عند حدوثها من غير التفات إلى غاياتها ومراميها ومآلاتها، دفعاً للتهم وحملاً لحال الناس على الصلاح واعتدادا بالألفاظ في العقود دون النيات والقصود (74).

هذا، وفي تقديري أنّ الاتّجاه الأوّل أقوى دليلاً وأصحّ نظراً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى" (75)، فإنّ وجهه ظاهر في أنّ العمل لا يقع إلاّ بالنّيّة، وليس للعامل من فعله إلاّ ما نواه، لأنّ الأمور بمقاصدها، ولأنّ حديث ابن عمر له طريق يشدّ أحدهما الآخر يجعله صالحا للاحتجاج، ولأنّ الاختلاف في حجية قول الصحابي إذا كانت فتواه في الاجتهاد المحض، أمّا إذا كانت من قبيل الخبر التوقيفي فلا خلاف بين الأئمة في الأخذ بقوله، وحديث العالية منه، لجزم عائشة -رضي الله عنها- بهذا الدليل على أنّه لا يجوز فيه الاجتهاد، ويقوّي التوقيف حديثا ابن عمر وأنس وغيرهما، ولأنّ حديث ابن عمر رافع للبراءة الأصلية وناقل عنها، بخلاف حديث أبي سعيد فمؤكّد ومبق لها، والدليل الرافع مقدّم على المبقي، لأنّ الأوّل فائدته التأسيس، والثاني فائدته التأكيد، والتأسيس أولى من التأكيد، وعليه يتعيّن الحكم الشرعي بالنصوص السابقة المعتضدة.

تنبيه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير