تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

97. لكن الذي ينبغي أن يوصى به ألا نسترسل في هذه المحدثات, بل نأخذ منها بقدر الحاجة, لأن بعض الناس يأتي بأمور لا حاجة لها ولا داعي, فنحن بحاجة مثلاً إلى إنارة في المحراب ليقرأ الإمام وينفع المصلين لكن ما الداعي إلى أن توضع ثريا بمائة ألف؟!!! وما الداعي إلى أن وضع محسنات صوت تردد الكلام؟!! كل هذا لا داعي له وهو قدر زائد على الحاجة. فالاسترسال في مثل هذه الأمور ينبغي أن يكون بقدر الحاجة, لأنه بصدد عبادة محضة الأصل فيها الاقتداء, وأي خلل فيها يخالف ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو ابتداع, لكن يبقى أن من هذه الأمور المخالفة ما مصلحته أعظم من مفسدته فينظر إليها بقدرها

98. لما احتاج الناس إلى من يبلغ صوت الإمام اتُّخِذَ المبلِّغ واختلفوا في جواز الاقتداء بهذا المبلغ, ثم جاءت مكبرات الصوت فاستغني عن المبلِّغ, مع أنه يوجد في بعض الجهات المكبرات والمبلِّغ معاًً.

99. حديث أبي هريرة (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها – الحديث -): أفضل الصفوف الصف الأول, وجاء في فضله نصوص ومنها (لو يعلمون ما في النداء والصف الأول لأتوهما ولو حبواً) وفي رواية (لاستهموا).

100. قوله (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها): خيرها أي أكثرها أجراً وأعظمها فضلاً, وشرها أي أقلها أجراً وإن كان فيها خير, لأن أفعل التفضيل في جملة (خير صفوف الرجال أولها) على وجهه, حيث اشترك الأول والذي يليه والذي يليه في الخير لكن الأول زاد في وصف الخيرية, ومقتضى أفعل التفضيل في جملة (وشرها آخرها) أن تكون هذه الصفوف اشتركت في الوصف الذي هو الشر لكن زاد الآخر على الذي قبله, لكن المراد بالشر هنا الشر النسبي, ولا شك أن الخير في الأكمل, والذي دونه فيه خير بلا شك, لكن هذا النقص من الكمال شر نسبي, ولذا قالوا في قوله (وشرها آخرها) يعني أقلها أجراً, وليس معنى الشر هننا المعنى العرفي المتبادر. الخير والشر أمور نسبية, فالأكثر خير, والأقل شر بالنسبة لما هو أكثر منه, والأقل خير بالنسبة لما هو أقل منه. ومن تأخر في الصفوف يحصل له الأجر بإذن الله بوعد الصادق, لكنه بالنسبة لمن تقدم لا شك أن الذي فوَّت عليه هذه المصلحة شر.

101. قوله تعالى (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً ... ): أي خير من أصحاب النار, ومقتضى أفعل التفضيل أن يكون أصحاب النار في خير لكن أهل الجنة أكثر منهم خيراً, لكن أفعل التفضيل في الآية ليست على بابها, فأهل النار في شر.

102. قوله (وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها): الرجال مطالبون بالجماعة وبالتقدم إليها, والنساء بيوتهن خير لهن, لكن إذا جاءت المرأة وبادرت مع أول الأذان وصارت في الصف الأول نقول حينئذٍ (شرها أولها) , يعني إن قُدِّرَ أنها تأتي فلتأتِ آخر الناس, لأن الأصل القرار في البيوت, ولذا جاء في الحديث (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها).

103. منهم من ينظر إلى السبب وهو أن الأول من صفوف النساء قريب من الآخر من صفوف الرجال, فلكون الصف الآخر من الرجال قريب من صفوف النساء صار شراً, ولكون الصف الأول من النساء قريب من صفوف الرجال صار شراً, ولبعد صف الرجال الأول عن صفوف النساء صار خيراً, ولبعد صف النساء الأخير عن صفوف الرجال صار خيراً, وهذا إذا كان المسجد يصلي فيه رجال ونساء, لكن لو افترضنا أن النساء في مكان مستقل تماماً عن الرجال هل نقول إن العلة انتفت فيشملها ما في الحديث الأول فيبقى خير الصفوف أولها حتى بالنسبة للنساء؟ إذا قلنا إن العلة معقولة وهي أن سبب التفضيل هو بعد الرجال عن النساء إذا كان هناك نساء ورجال, وافترضنا أن هذه العلة ارتفعت ولا وجود لها بصلاة النساء في مكان مستقل, فهل نقول إن المرأة التي تصلي في مكان غير مستقل عن الرجال أفضل من المرأة التي تصلي في مكان مستقل أو العكس؟ أهل العلم يقولون إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً, لكن العلة المنصوصة هي المؤثرة, وأما العلل المستنبطة فهي علل اجتهادية لا تؤثر ولا يدور معها الحكم وجوداً وعدماً, فيبقى أن صفوف الرجال خيرها أولها وشرها آخرها مطلقاً سواء كان معهم نساء أو ليس معهم نساء, وصفوف النساء شرها أولها وخيرها آخرها مطلقاً مع الرجال أو بدون الرجال.

104. معلوم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل لها من المسجد, والحديث واضح ولا اجتهاد مع النص, فالمرأة ينبغي أن تحرص على الصف المؤخر لأنه جاء في النص في الصحيح (شرها أولها) , وليس لنا أن نجتهد إلا إذا كانت العلة منصوصة, ولا شك أن في الحديث تأييد للأصل وهو أن قرار المرأة في بيتها وصلاتها في بيتها أفضل لها وأنها مطلوب منها الستر والبعد عن رؤية الرجال.

105. جاء في الحديث (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى): يعني الكبار العقلاء, فلا يترك المجال للسفهاء وللصغار, ومعنى هذا الحديث حث الكبار على التقدم إلى الصلاة والصفوف الأولى, وليس معناه طرد الصغار من الصفوف الأولى, لأن القاعدة أن من سبق إلى مباح فهو أحق به, ولا يجوز للأب أن يقيم ولده ليجلس مكانه. والأمر في هذا الحديث للاستحباب, فالتقدم إلى الصلاة والصف الأول سنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير