ـ[أبوهاجر النجدي]ــــــــ[26 - 05 - 07, 04:29 م]ـ
156. حديث أبي بن كعب (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده – الحديث -): لا شك أن ما يؤديه المسلم على الوجه المطلوب المجزئ المسقط للطلب أجره واحد إلا أن هذا الأجر قد يزيد بما يحتف به من أمور كصلاة الجماعة, فقد تقدم أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة, وصلاة الرجل مع رجلين أفضل من صلاته مع رجل واحد, وصلاته مع ثلاثة أفضل من صلاته مع اثنين وهكذا, (وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل).
157. على هذا ينبغي أن يحرص الإنسان على المساجد التي تكثر فيها الجموع, لأن ما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل, ويفضلون أيضاً بقدم المسجد, ويفضلون أيضاً بفضل الإمام, فإذا كان الإمام من أهل الفضل فالصلاة وراءه أفضل, ولذا معاذ رضي الله عنه كان يصلي خلف النبي عليه الصلاة والسلام ثم يصلي بقومه إدراكاً لفضل الصلاة خلفه عليه الصلاة والسلام.
158. حديث أبي بن كعب حسن, وصححه ابن حبان لكنه لا يصل إلى درجة الصحة.
159. قوله (صلاة الرجل مع الرجل) أي الواحد مع الواحد (أزكى من صلاته وحده) لأنها جماعة, فإثنان فما فوقهما جماعة, وجاء في هذا حديث في سنن ابن ماجه وهو ضعيف, لكن البخاري رحمه الله بوب (باب: اثنان فما فوقهما جماعة) واستدل بحديث مالك بن الحويرث (وليؤمكما أكبركما) , ففيه دليل على أنها جماعة تكونت من اثنين, فالاثنان فما فوقهما جماعة, لكن كلما كان العدد أكثر فهو أفضل لقوله (وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل).
160. أيهما أفضل: أن يصلي خلف شخص يتأثر بالصلاة خلفه ويقبل على صلاته لكن هذا الإمام لا يصلي خلفه إلا عدد يسير عرفوا بالصلاح والتقى والإقبال, أو أن يصلي في مسجد سوق الجماعة فيه كثيرة لكن إقباله على صلاته في هذه الحالة أقل؟ يقال: الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى من الفضل المرتب على ما يحتف بها, وهنا كثرة الجماعة مما يحتف بالصلاة.
161. مثل ذلك ما يُسأل عنه كثيراً في الأوقات الفاضلة في العشر الأخيرة من رمضان: إمام المسجد في بلدي الجماعة فيه قليلة لكن قراءته مؤثرة وإذا صليت وراءه أقبلت على صلاتي بكليتي, وإذا صليت في أحد الحرمين مع كثرة الجموع قد لا يتسنى لي الخشوع, فأيهما أفضل؟ يقال: لا ينبغي أن يقال لكل الناس لا تذهبوا إلى الحرم بحجة تجنب الزحام, بل يحثون على الذهاب مع الحرص على تحصيل الخشوع, وعلى الإنسان أن يتطلب أماكن التضعيف, لأن الأحاديث في التضعيف لم تأتِ عبثاً, إنما جاءت لأمر محقق مرتب على هذه البقع المقدسة, لكن إذا كان الشخص لا يستطيع أن يقبل على صلاته في هذه الأماكن فإنه يقال له (صلِّ في أي مكان يجتمع فيه قلبك).
162. بل يزداد الأمر سوءاً إذا كان الشخص إذا ذهب إلى تلك الأماكن لا يستطيع أن يحفظ بصره, فهل يقال إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فينهى عن الذهاب؟ أو يقال (اذهب واحرص على غض البصر)؟ الجواب: إذا عجز عن كف بصره لأنه يتذرع بكثرة مواجهة هؤلاء النساء فلا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, فإذا كان لا يستطيع أن يؤدي العبادة التي هو بصددها إلا مع ارتكاب محظور فينبغي ألا يقدم على ذلك.
163. مسألة تعارض الأمر مع النهي, أيهما المقدم؟ مثال: إذا كان الذهاب إلى المسجد لآداء الصلاة يترتب عليه اختلاط بنساء في الطريق فإن كانت الصلاة التي يقصد الصلاة من أجلها سنة يقال له (ترك المأمور مع اجتناب المحظور أفضل, فصل في بيتك) وإن كانت فريضة يقال له (اذهب إلى المسجد ولو اعترضك في طريقك محظور) , لأن كل شيء بحسبه, فالأوامر فيها العظائم وفيها ما دون ذلك, والنواهي كذلك, والقول بأن ارتكاب المحظور أخف من ترك المأمور أو العكس ليس على إطلاقه.
164. مثال آخر: إذا كان في الطريق إلى المسجد شباب يلعبون وقت الصلاة ولا يستطيع أن ينكر عليهم فإنه يلزمه الذهاب مع أن إقرار هذا المنكر منكر, بخلاف ما لو كان في الطريق إلى المسجد بغي وعندها ظالم يلزم كل من مر بها بالوقوع عليها فإنه يترك صلاة الجماعة لئلا يقع في هذا المنكر العظيم, لأن هذه الأمور تقدر بقدرها, فالنواهي متفاوتة والأوامر متفاوتة, فلا ينبغي إطلاق القول بأن ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور - كما يقول شيخ الإسلام - أو العكس كما يقوله غيره.
¥