تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الْجُزْئِيَّةِ الْمُشَاهَدَةِ وَيُمْكِنُهُ مَعْرِفَتُهَا بِالصِّفَةِ وَلَوْ تَقْرِيبًا بِخِلَافِ فَاقِدِ السَّمْعِ، فَإِنَّ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ الْعِلْمِ لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ. وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْكُفَّارَ بِعَدَمِ السَّمْعِ فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرَ مِنْ ذَمِّهِ لَهُمْ بِعَدَمِ الْبَصَرِ، بَلْ إنَّمَا يَذُمُّهُمْ بِعَدَمِ الْبَصَرِ تَبَعًا لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ. وَأَيْضًا الَّذِي يُورِدُهُ السَّمْعُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ الْعُلُومِ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ كَلَالٌ وَلَا سَآمَةٌ وَلَا تَعَبٌ مَعَ كَثْرَتِهِ وَعِظَمِهِ، بِخِلَافِ الَّذِي يُورِدُهُ الْبَصَرُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيهِ الْكَلَالُ وَالضَّعْفُ وَالنَّقْصُ، وَرُبَّمَا خَشِيَ صَاحِبُهُ عَلَى ذَهَابِهِ مَعَ قِلَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّمْعِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ قُتَيْبَةَ: بَلْ الْبَصَرُ أَفْضَلُ، فَإِنَّ أَعْلَى النَّعِيمِ لَذَّةً وَأَفْضَلَهُ مَنْزِلَةً النَّظَرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَارِ الْآخِرَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يُنَالُ بِالْبَصَرِ، وَهَذِهِ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ فِي تَفْضِيلِهِ. قَالُوا وَهُوَ مُقَدِّمَةُ الْقَلْبِ وَطَلِيعَتُهُ وَرَائِدُهُ، فَمَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ أَقْرَبُ مِنْ مَنْزِلَةِ السَّمْعِ، وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يُقْرَنُ بَيْنَهُمَا فِي الذِّكْرِ كَقَوْلِهِ {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} فَالِاعْتِبَارُ بِالْقَلْبِ وَالْبَصَرُ بِالْعَيْنِ. وَقَوْلُهُ {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وَلَمْ يَقُلْ وَأَسْمَاعَهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} وَقَالَ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الْوَصْلَةِ وَالِارْتِبَاطِ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْبَصَرِ. وَلَمَّا كَانَ الْقَلْبُ أَشْرَفَ الْأَعْضَاءِ كَانَ أَشَدَّهَا ارْتِبَاطًا بِهِ أَشْرَفَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا يَأْمَنُهُ الْقَلْبُ عَلَى مَا لَا يَأْمَنُ السَّمْعَ عَلَيْهِ، بَلْ إذَا ارْتَابَ مِنْ جِهَةٍ عَرَضَ مَا يَأْتِيهِ بِهِ عَلَى الْبَصَرِ لِيُزَكِّيَهُ أَوْ يَرُدَّهُ، فَالْبَصَرُ حَاكِمٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ. قَالُوا: وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مَرْفُوعًا {لَيْسَ الْمُخْبَرُ كَالْمُعَايِنِ} وَلِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُوسَى بِأَنَّ قَوْمَهُ اُفْتُتِنُوا مِنْ بَعْدِهِ وَعَبَدُوا الْعِجْلَ فَلَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ مَا لَحِقَهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذَلِكَ وَمُعَايَنَتِهِ مِنْ إلْقَاءِ الْأَلْوَاحِ وَكَسْرِهَا لِقُوَّةِ الْمُعَايَنَةِ عَلَى الْخَبَرِ. وَهَذَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ سَأَلَ رَبَّهُ يُرِيهِ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ بِخَبَرِ اللَّهِ لَهُ، وَلَكِنْ طَلَبَ أَفْضَلَ الْمَنَازِلِ وَهِيَ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ. قَالُوا: وَلِلْيَقِينِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ، أَوَّلُهَا السَّمْعُ، وَثَانِيهَا الْعَيْنُ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِعَيْنِ الْيَقِينِ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَأَكْمَلُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا. قَالُوا: وَأَيْضًا فَالْبَصَرُ يُؤَدِّي إلَى الْقَلْبِ وَيُؤَدِّي عَنْهُ، فَإِنَّ الْعَيْنَ مِرْآةُ الْقَلْبِ يَظْهَرُ فِيهَا مَا يُحِبُّهُ مِنْ الْبُغْضِ وَالْمَحَبَّةِ، وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ، وَالسُّرُورِ وَالْحُزْنِ، وَأَمَّا الْأُذُنُ فَلَا تُؤَدِّي عَنْ الْقَلْبِ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا مَرْتَبَتُهَا الْإِيصَالُ إلَيْهِ حَسْبُ، فَالْعَيْنُ أَشَدُّ تَعَلُّقًا بِهِ. قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ خَاصِّيَّةٌ فَضَلَ بِهَا الْآخَرَ، فَالْمُدْرَكُ بِالسَّمْعِ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ، وَالْمُدْرَكُ بِالْبَصَرِ أَتَمُّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير