تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الابتعاد عن الجدال]

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[25 - 12 - 07, 12:18 ص]ـ

يقول بعضهم منافحاً عن انتشار الجدال كما تراه: إنّ الخصام مطلوب , لإنّ به يدافع المتسنن عن الحق , ولا سيما مع انتشار الطوائف المبتدعة , والفرق الضالّة , والصواب أن الجدال عن الحق إن احتيج اليه كان مشروعاً , وقد يجب على القادر عليه إن تعيّن ذلك دفاعاً عن الحقّ , فإنّه من جملة الجهاد , وقد جاء في الحديث:" جاهدوا الشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم (أحمد وأبوداود عن أنس , وهو في صحيح الجامع الصغير للألباني رحمه الله) ,

بل جاء ذكر الجهاد بالقلب أيضاً في الحديث الصحيح , وهو على كل حال من درجات تغيير المنكر , وحكى الله تعالى جدال خليله إبراهيم , وكليمه موسى , وخطيب الأنبياء شعيب , وغيرهم, لقومهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فالأمر متوقف على الحاجة , وقال الليث بن سعد رحمه الله:" بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط " , وقال الذهبي في السير في ترجمته معلقاً:" كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث ,ونالك والأوزاعي , والسنن ظاهرة عزيزة , فأمّا في زمن أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد فظهرت البدعة , وامتحن أهل الاثر , ورفع أهل الأهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم , فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة , ثم كثر ذلك , واحتجّ عليهم العلماء إيضاً بالمعقول , فطال الجدال , واشتدّ النزاع وتولّدت الشُبه ".

فالخصام إنّما يكون في الله ,كما قال تعالى:" هذان خصمان اختصموا في ربّهم " , قيل اختصموا في ذاته أو صفاته أو في دينه , أو في جميع ذلك , وهذا أعلى درجات الإختصام في الحقّ , ومن دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم:" اللهمّ لك أسلمت , وبك آمنت , وعليك توكلت , وإليك أنبت ,وبك خاصمت , وإليك حاكمت ,,, " , في هذه المقاطع كلّها قُدّمت حروف الجر ومجروراتها على الأفعال , وهذا مُشعر بإرادة التّخصيص , وإفادة الحصر , أي لا أخاصم إلاّ فيك , ومن أجلك , أو إنّما أخاصم بما أعطيتني من البرهان , ولقنتني من الحجّة.

فراجع نفسك قبل الخصام في أشياء: هل تعرف ما تُخاصم عنه أو فيه معرفة شرعية جيدة , حتى يكون خصامك قائماً على الحجّة والبرهان ? , أم أنت مُجرّد متعصّب لقولٍ سمعته , أو شخص أحببته ? , وهل هذا الأمر ممّا يسوغ فيه الخصام ? , فإنّنا كثيراً ما نرى ذلك من غير سبب مشروع , وذلك كالجدال في المسائل العلمية التي اختلف النّاس فيها لاختلاف أهل العلم , بل لاختلاف الصّحابة فيها , والمجزوم به أنّ النزاع فيها لا ينتهي , وما المصلحة الشرعية المترتّبة على هذا الخصام الذي أقدمتَ عليه ? , وهل هناك مفسدة تترتّب عليه ? , وما قياس المصلحة إليها ? , حتى إذا تزاحمتا نظرت في الأمر فأقدمت على إحداهما وتركت الأخرى حسب قانون تزاحم المصالح والمفاسد الذي يعرفه العلماء , وما الدّافع لك إلى الخصام ? , فهل خصامك في الله ?, وهل تريد الوصول إلى الحق ? , أم أن الباعث لك على ذلك إنّما هو الهوى والشُبهة ?, ومن هذا الذي تخاصمه ?, إذ كثيراً ما لا يُثمر ذلك نفعاً , إن لم يكن من تُجادله من أقرانك علماً , ومن أترابك سناً.

وأنت إذا رجعت إلى كتاب الله ألفيت الجدال منهياً عنه , أو مأذوناً فيه بقيد التي هي أحسن , والشيئ إذا أذن فيه مقيّداً دلّ ذلك والله أعلم على أن الأصل فيه عدم المشروعية , وإنما أجيز للحاجة , قال الله تعالى:" ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم " , فالجدال وإن احتيج إليه أحياناً , فليس عليه المعول , ومن تفقّه في الأحكام نفر من الخصام ومسبباته , وتشوّف إلى الوفاق ومقتضياته , فإن اضطرّ إليه خاصم في الله , ولا يكون ذلك إلاّ بعد العلم بأحكام الله , وقد قيل لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله , الرجل يكون عالماً بالسنة أيجادل عنها ? , قال: لا , ولكن يخبر بالسنّة , فإن قبلت منه وإلاّ سكت " (جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/ 94

وخير ما نختم به أبيات لأبي مصعب بن عبد الله الزبيري:

اأقعد بعدما رجفت عظامي ** وكان الموت أقرب ما يليني ?

أجادل كل معترض خصيم ** وأجعل دينه غرضاً لديني ?

فأترك ما علمت لرأي غيري ** وليس الرّأي كالعلم اليقيني!!

وما أنا والخصومة وهي لبس ** تصرف في الشّمال واليمين ?

والله أعلم

ـ[محمد بن عبدالله التميمي]ــــــــ[28 - 12 - 07, 12:38 ص]ـ

نفع الله بك ,ورزقنا التقوى, وتحري الحق, والبعد عن الهوى ....

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير