تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول الله عز وجل ((وَإِذَاجَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) (النساء:83).

والمراد بأولي الأمر في الآية أي العلماء الراسخون الذين يحسنون استنباط الأحكام الشرعية من أدلة الكتاب والسنَّة , لأن النصوص الصريحة لا تفي ببيان جميع المسائل الحادثة والأحكام النازلة , ولا يُحسن استنباطَ ذلك واستخراجَه من النصوص إلا العلماءُ الراسخون.

قال أبو العالية في معنى ((أُوْلِي الأَمْرِ)) في الآية: هم أهل العلم , ألا ترى أنه يقول: ((وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ)) يقول: إلى علمائهم , ((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)): لَعَلمه الذين يفحصون عنه ويهمّهم ذلك.

وعن ابن جريج: ((وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ)) حتى يكون هو الذي يخبرهم , ((وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ)) أولي الفقه في الدين والعقل.

قال الحافظ ابنُ حجر في كتابه فتح الباري: (ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال في قوله تعالى: ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَانُزِّلَ إِلَيْهِمْ)) (النحل:44) , قال: أنزل سبحانه وتعالى كثيراً من الأمور مجملاً ففسر نبيه ما احتيج إليه في وقته , وما لم يقع في وقته وَكَلَ تفسيره إلى العلماء بقوله تعالى: ((وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) (النساء:83).

وقال العلامة عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله تعالى – في معنى الآية: (هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق , وأنه ينبغيلهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرورالمؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبةٌ , عليهم أن يثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر , بل يردونه إلى الرسول , وإلى أولي الأمر منهم , أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة , الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين وسروراً لهم وتحرزاً من أعدائهم فعلوا ذلك , وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه , ولهذا قال: ((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. وفي هذا دليل لقاعدة أدبية , وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور: ينبغي أن يولّى من هو أهل لذلك , ويجعلإلى أهله , ولا يتقدم بين أيديهم , فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها , والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه: هل هو مصلحة فيقدم عليه الإنسان , أم لا فيُحْجِم عنه) انتهى كلامه رحمه الله.

وبما تقدم يُعلم أيها الإخوة المستمعون أن أمر البت في النوازل والحوادث المستجدة وإيضاحَ حكمِ الشرع فيها , ليس لأحد أن يخوض فيه إلا العلماء أهل البصيرة في الدين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالماً مجتهداً , ولو كان الكلام في العلم والدينبالولايات والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحقَّ بالكلام في العلم والدين , وبأنيَستفتيه الناسُ , ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين. فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدَّعِي ذلك لنفسه , ولا يُلزم الرعية حكمَه في ذلك بقول دون قول إلا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فمن هو دون السلطان في الولاية أولى بأن لا يعتدى طوره) ا. هـ.

وإنا لنسأل الله جل وعلا أن يبارك لنافي علمائنا وأن ينفعنا بعلومهم , وأن يجزيهم عنا خير الجزاء وأوفره إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله ومصطفاه نبينا محمد وآله وصحبه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه أحمد (5/ 196) , وأبو داود (3641) , والترمذي (2682) , وابن ماجه (223) , والدارمي (342). وحسنه لغيرهالألباني -رحمه الله- في (صحيح الترغيب) (70)

(2) رواه أحمد (5/ 323) , وحسنه الألباني – رحمه الله – في ((صحيح الترغيب)) (101).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير