تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له.

وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء، وأما ما ورد فهو مشروع، ليثاب من امتثل الأمر فيه على ذلك.

فتح الباري، كتاب المرضى، ج 10 ص 130

ثم علق بعد شرحه لأحاديث من كتاب المرضى فقال:

وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن، لأن الآدمي لا ينفك غالبا من ألم يسبب مرض أو هم أو نحو ذلك مما ذكر، وأن الأمراض والأوجاع والآلام - بدنية كانت أو قلبية - تكفر ذنوب من تقع له.

وسيأتي في الباب الذي بعده من حديث ابن مسعود " ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه " وظاهره تعميم جميع الذنوب، لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر، للحديث الذي تقدم التنبيه عليه في أوائل الصلاة " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر " فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد، ويحتمل أن يكون معنى الأحاديث التي ظاهرها التعميم أن المذكورات صالحة لتكفير الذنوب، فيكفر الله بها ما شاء من الذنوب، ويكون كثرة التكفير وقلته باعتبار شدة المرض وخفته.

ثم المراد بتكفير الذنب ستره أو محو أثره المرتب عليه من استحقاق العقوبة.

وقد استدل به على أن مجرد حصول المرض أو غيره مما ذكر يترتب عليه التكفير المذكور سواء انضم إلى ذلك صبر المصاب أم لا، وأبى ذلك قوم كالقرطبي في " المفهم " فقال: محل ذلك إذا صبر المصاب واحتسب وقال ما أمر الله به في قوله تعالى: (الذين إذا أصابتهم مصيبة) الآية، فحينئذ يصل إلى ما وعد الله ورسوله به من ذلك.

وتعقب بأنه لم يأت على دعواه بدليل، وأن في تعبيره بقوله: " بما أمر الله " نظرا إذ لم يقع هنا صيغة أمر.

وأجيب عن هذا بأنه وإن لم يقع التصريح بالأمر فسياقه يقتضي الحث عليه والطلب له، ففيه معنى الأمر.

وعن الأول بأنه حمل الأحاديث الواردة بالتقييد بالصبر على المطلقة، وهو حمل صحيح، لكن كان يتم له ذلك لو ثبت شيء منها، بل هي إما ضعيفة لا يحتج بها وإما قوية لكنها مقيدة بثواب مخصوص، فاعتبار الصبر فيها إنما هو لحصول ذلك الثواب المخصوص، مثل ما سيأتي فيمن وقع الطاعون ببلد هو فيها فصبر واحتسب فله أجر شهيد، ومثل حديث محمد بن خالد عن أبيه عن جده وكانت له صحبة " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو ولده أو ماله ثم صبر على ذلك حتى يبلغ تلك المنزلة " رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات، إلا أن خالدا لم يرو عنه غير ابنه محمد، وأبوه اختلف في اسمه لكن إبهام الصحابي لا يضر.

وحديث سخبرة - بمهملة ثم معجمة ثم موحدة وزن مسلمة - رفعه " من أعطي فشكر، وابتلي فصبر، وظلم فاستغفر، وظلم فغفر، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " أخرجه الطبراني بسند حسن، والحديث الآتي قريبا " من ذهب بصره " يدخل في هذا أيضا، هكذا زعم بعض من لقيناه أنه استقرأ الأحاديث الواردة في الصبر فوجدها لا تعدو أحد الأمرين، وليس كما قال، بل صح التقييد بالصبر مع إطلاق ما يترتب عليه من الثواب، وذلك فيما أخرجه مسلم من حديث صهيب قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير] وليس ذلك [لأحد] للمؤمن إن أصابته سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير " وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ " عجبت من قضاء الله للمؤمن، إن أصابه خير حمد وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد وصبر، فالمؤمن يؤجر في كل أمره " الحديث أخرجه أحمد والنسائي.

وممن جاء عنه التصريح - بأن الأجر لا يحصل بمجرد حصول المصيبة، بل إنما يحصل بها التكفير فقط - من السلف الأول أبو عبيدة بن الجراح، فروى أحمد والبخاري في " الأدب المفرد " وأصله في النسائي بسند جيد وصححه الحاكم من طريق عياض بن غطيف قال: " دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته فقلنا: كيف بات أبو عبيدة؟ فقالت امرأته نحيفة: لقد بات بأجر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير