تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تعقيب على عجل: هل اليوم الوطني عيد؟ وهل فيه تشبه محرم؟]

ـ[حارث همام]ــــــــ[26 - 10 - 08, 11:03 ص]ـ

بسم الله والحمد لله ..

الإشكال عند من يخالف الذي عليه فتوى كبار العلماء في الاحتفال بالعيد الوطني أو اليوم كما يقولون في مواضع وقد كثر تردداد إشكالين، رأيت أن أعلق عليهما باقتضاب اقتضاه ما ظهر هذه الأيام من تخليط بعض المشايخ الأفاضل يحتاج إلى مراجعة ومع ذلك هو يدعو الكبار للمراجعة!

وقبل بيان بعض المآخذ على ما ذكر الشيخ أود أن ألفت نظر إخوتي من طلاب العلم إلى أن فتاوى كبار أهل العلم في البلاد الذين ينبغي أن تصدر عن فتواهم العامة، ينبغي التريث في إعلان الفتوى بمخالفتها ولاسيما إن كنت لا تعتقد أنهم دعوا إلى محرم، أو يلزم على قولهم منكر، وذلك لأن العامة مكلفون بالرجوع إلى أولئك الكبار، وفرضهم تقليدهم، لا تقليدك فاعرف قدرك رحمك الله، واعلم أن الذي يسألك عن مثل هذا الذي صدر فيه حكم أهل الذكر –قد يكون- صاحب هوى يريد أن يجد متنفساً، ولو لم يكن كذلك فعليك أن تراعي الحكمة فيما تصدر من فتاوى وتنظر إلى أثرها، ويتأكد هذا عند واسع الأفق الذي اتسع صدره لخلاف جم غفير من المخلطين!

وبعد فالأمر الأول الذي يقع فيه الإشكال: فهو عد اليوم الوطني عيداً، فبعضهم يأبى ذلك ويشترط أن تجعل مع العود فيه عبادة تخصه، وبعضهم يأخذ هذا من عبارات لشيخ الإسلام في العيد الشرعي، وعلى هذا مآخذ منها:

أ- هذا الشرط ليس بلازم، وشيخ الإسلام وصف العيد الشرعي، لا البدعي أو كلما يسمى عيدا، بل ذكر في تعريف هذا: خصه بالعبادة أو العادة، فالاحتفال بعيد الميلاد أو رأس السنة هو احتفال بعيد ولم يخرجه عن حد العيد عدم إحداث المسلمين فيه عبادة، ولا أعلم أحداً يجادل في كونه عيدا، بصرف النظر عن تحريمه لأجل ماذا فالحديث عن التسمية، فمن أحدث فعلاً عادياً -خصه بيوم من السنة كلما عاد- أو محرماً فقد جعل ذلك اليوم عيداً، وكذا من أحدث عبادة.

ب- على فرض التسليم به فاليوم الوطني تخصص فيه عبادات كلمات شرعية (دعوة) ودعاء وتعظيم وإشادة بالوطن ومعنى الوطنية.

ج- ما المقصود من الاحتفال باليوم الوطني؟ فإن قيل شكر الله على نعمة ما، أو التذكير بها، أو نحو ذلك قلنا له هذه عبادة خص بها ذلك اليوم، وإن قال: فرح وسرور من غير موجب بس كذا! قلنا: فعلى ماذا؟ على حق أم باطل؟ الأول يرجع إلى المعنى الأول معنى العبادة، والثاني ينظر هل خص بمباح أم محرم؟ فإن كان مباحاً فهل فيه تشبه أم لا؟ وقد يجتمع التشبه مع المحرم.

د- نبه أخونا الشيخ الحمادي في بعض المناسبات إلى أن العيدين الذين أبدلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج لم تكن فيهما للأوس والخزرج عبادة وإنما هما يوما لهو ولعب على ما جاء في الأثر وهذا استدلال ظاهر على نقض من اشترط إحداث عبادة خاصة فيه فشكر الله له، بل مجرد الفعل المباح الذي لا يتعبد به لما اقترن به التشبه حرم.

أما الأمر الثاني الذي يقع فيه الخلط فهو التسوية بين العيد الوطني وبين التذكير ببعض المشروعات أو المباحات التي اقتضى التذكير بها مقتض صحيح كأسبوع المرور مثلاً، فيجعل ذلك كله من التشبه غير المحرم، ويقال في كشف هذا التشغيب:

أ- أولاً: إن أسبوع المرور ونحوه ليس دليلاً شرعياً يسوغ التشبه بالكفار في تعظيمهم الأيام الوطنية، فمن عجز عن إدراك الفرق بينه وبين العيد الوطني لزمه أن يحرم الجميع لا أن يبيح الجميع!

ب- لا نسلم بالتسوية، فهذا تذكير بشيء من المصالح المرسلة، وذلك احتفال بمحرم أو مختلط، إذ الاحتفال فيه تعظيم للنعرة الوطنية الضيقة، وليس فرحنا بتوحيد بلد ما بأولى من فرحنا بتحرير البلدان الإسلامية من العدو الكافر، فلم لا نحتفل نحن بالأيام الوطنية لإخواننا المسلمين؟ أو لم لا يحتفلون هم بيومنا؟! أما أسبوع المرور ونحوه فمقصوده تنظيم عمل مشروع داخل في نطاق المصالح المرسلة، فلا يبطل المصلحة سبق الكافر لها.

ج- الأولى أن ينظَّر العيد الوطني بعيد الحب، فكلامهما يشتمل على محرم في ذاته وفي تصرفات الناس فيه، فالوطن والوطنية في ذاته معنى يشتمل على حق وباطل، والاحتفال بذلك باطل، مع ما فيه من التشبه لو كان مباحاً، والحب والمحبة معنى مجمل فيه حق وباطل، وتعظيم ذلك باطل، مع ما فيه من التشبه بالكافر لو كان مباحاً. وقد ينظر بعيد رأس السنة، لاشتماله على تعظيم أمر معظم في الشرع بزعمهم، أما اليوم الوطني فتعظم فيه الوطنية ويتقرب إلى الله في ذلك اليوم بالدعوة إليها، وكذا عيد رأس السنة الميلادية، يشتمل على تعظيم ميلاد المسيح عليه السلام، ولكن لا يتقرب إلى الله في ذلك اليوم بشيء وإنما هو يوم لهو ولعب. وقد ينظر كذلك بالاحتفال بالمولد الذي اجتمع فيه التشبه بالكفار، والتعبد بالتذكير بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى هديه.

د- لم يحتفل المسلمون برد نجد واليمامة وأكثر العرب إلى حظيرة دولة الإسلام وتوحيدها تحت خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ولا احتفلوا بانتشار الإسلام وتوحيد الجزيرة في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتفال بهذا أولى من الاحتفال الجاري فذلك أشرف معنى وأجل نعمة، فلنقف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا، وقد كانوا أحرص على الخير والدعوة إليه منا.

هـ- كثير من المحرمات لم تحرم لذاتها، والفقيه الفقه الحي -الذي يدخل على القلوب العاقلة من غير اسئذان- هو من ينظر في واقع الأمر وملابساته ويحكم عليه، لا من يصدر الأحكام على افتراضات مقدرة لا وجود لها يشغب بها على حكم الواقع المقرر، فهب اليوم الوطني لا إشكال فيه لو خلى مما عهد فيه من المنكرات، فهل لمثل هذا اليوم وجود لنقول بجوازه؟! ولا يعفي المفتي هنا تنبيهه للمخالفات التي علمها لازمة لواقعه، لأن السؤال ليس عن شيء يفترضه ولكن عن الواقع وهو يشهد بأن اليوم الوطني ذريعة غالبة للهو الباطل واللعب المحرم في أقل أحواله.

نسأل الله أن يبصرنا بالدين، وأن يرزقنا الانتفاع بتقريرات أهل العلم الراسخين، وأن يجنبنا وإياكم طريق الأخسرين من المغضوب عليهم والضالين آمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير