تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كتاب "البيوع" (المفرد) للماوري، فائدة وموعظة.]

ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[15 - 10 - 08, 10:12 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الماوردي في "أدب الدنيا والدِّين":

(وقلما تجد بالعلم معجبا، وبما أدرك مفتخرا، إلا من كان فيه مقلا ومقصرا؛ لأنه قد يجهل قدره، ويحسب أنه نال بالدخول فيه أكثره. فأما من كان فيه متوجها، ومنه مستكثرا، فهو يعلم من بعد غايته، والعجز عن إدراك نهايته، ما يصده عن العجب به. وقد قال الشعبي: "العلم ثلاثة أشبار: فمن نال منه شبرا شمخ بأنفه وظن أنه ناله، ومن نال الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه لم ينله، وأما الشبر الثالث فهيهات لا يناله أحد أبدا).

ثم ذكر الماوردي في المصدر السابق قصة وقعت له، وهي دالّة - كما يقول السبكي في "الطبقات" - على (دِينه ومجاهدته لنفسه)، يقول الماوردي:

(ومما أنذرك به من حالي أنني صنفت في البيوع كتابا (1) جمعت فيه ما استطعت من كتب الناس، وأجهدت فيه نفسي وكددت فيه خاطري، حتى إذا تهذب واستكمل وكدت أعجب به وتصوّرت أنني أشد الناس اضطلاعا بعلمه، حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان، فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لواحدة منهن جوابا، فأطرقت مفكرا، وبحالي وحالهما معتبرا، فقالا: ما عندك فيما سألناك جواب، وأنت زعيم هذه الجماعة؟ فقلت: لا. فقالا: واها لك، وانصرفا. ثم أتيا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي، فسألاه فأجابهما مسرعا بما أقنعهما وانصرفا عنه، راضيين بجوابه حامدين لعلمه، فبقيت مرتبكا، وبحالهما وحالي معتبرا، وإني لعلى ما كنت عليه في المسائل إلى وقتي، فكان ذلك زاجر نصيحة، ونذير عظة، تذلل بها قياد النفس، وانخفض لها جناح العجب، توفيقا منحته، ورشدا أوتيته، وحق على من ترك العجب بما يحسن أن يدع التكلف لما لا يحسن، فقديما نهى الناس عنهما، واستعاذوا بالله منهما، ومن أوضح ذلك بيانا استعاذة الجاحظ في كتاب "البيان" حيث يقول: اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن، كما نعوذ بك من العجب بما نحسن، ونعوذ بك من شر السلاطة والهذر، كما نعوذ بك من شر العي والحصر. ونحن نستعيذ بالله تعالى مثل ما استعاذ، فليس لمن تكلف ما لا يحسن غاية ينتهي إليها، ولا حد يقف عنده، ومن كان تكلفه غير محدود، فأخلق به أن يضل ويضل).

_______

(1) صرّح بالنقل عنه في موضع، النووي في "المجموع" 2/ 573، وقد يقول قائل: بل يريد النووي كتاب البيوع، من "الحاوي أقول: لو أراد النووي كتاب البيوع من "الحاوي"، لصرّح بذلك؛ لا سيّما وقد أكثر من النقل عنه جدّا، فإن قلتَ: قد وجدتُ الموضع الذي تشير إليه في كتاب البيوع من "الحاوي" 5/ 334؟! أقول: لا شيء، فإنّه من المعلوم أن العالم يستعين بمصنّفه المفرد في تصنيفه الجامع، بل قد يأتي به على التمام .. وفي كلام النووي ومقابلته بكلام الماوردي في ذات المسألة وجدنا قرينة دالة على أنّ النووي يريد الكتاب المفرد، والقرينة هي إطلاق النووي الحكاية نقلا عن "البيوع" للماوري، وفي "الحاوي" التقييد، مما يدلّنا على تغاير المورد، ويَرد على هذا: أنّ القرينة المذكورة ضعيفة؛ لأن سبب التغاير المذكور قد يكون سببه تصرف النووي أو اختصاره أو من اختلاف النّسَخ مثلا .. أقول: كلام وجيه؛ ولكنه لا يرقَى إلى تحريف عبارة النووي والتي تنص على إرادة كتاب "البيوع" (المفرد)، والذي قد أنبأنا خبره الماوردي في "أدب الدنيا والدين"، والأصل جريان الكلام على ظاهره، ما لم تأت قرينة صارفة ..

ثم هنا فائدة: أنّنا وإنْ لم نقف على كتاب "البيوع" المفرد، فقد كفانا "الحاوي" أمره (إن شاء الله)، فقد شغل المجلد الخامس منه بتمامه، ولا ريب أنّ النفس تحزن على كل ورقة مفقودة أو ضائعة لأهل العلم، لا سيّما الكبار أرباب الوجوه منهم ..

[قيد البحث]

ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[17 - 10 - 08, 03:25 م]ـ

أحسنت، لفتة مهمة ...

يغلب على الظن أن الكتاب جزء من الحاوي - مجرد ظن -، فقد جرت العادة أن المؤلف إذا كان كتابه ضخماً، يعتني ببعض الأبواب تنقيحاً وتحريراً، ويكون بهذا الجزء حفياً، فينوّه بفضله على سائر أجزاء الكتاب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير