القول السادس: أن التسبيح يراد به الصلاة، والتحميد يراد به الثناء للاستعانة، فقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} معناه: صل بثنائك على ربك.
ولا ريب أن الثناء على الله تعالى بالحمد ركن في الصلاة، فإنها لا تتم بالفاتحة التى نصفها الأول حمد لله وثناء عليه وتمجيد له، وقد شرع قبل ذلك الاستفتاح،وشرع التسبيح في الركوع والسجود وشرع في الصلاة غير ذلك من أنواع الثناء على الله تعالى.
فالمصلي إذا حمد ربه في القيام أو في القيام والقعود وسبح في الركوع والسجود؛ فقد جمع التسبيح والحمد فسبح بحمد ربه فالصلاة الشرعية تسبيح بحمد الله تعالى.
القول السابع:أن التسبيح يراد به الصلاة والتحميد يراد به الأمر فقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} معناه: صل بأمر ربك.
فإما أن يكون المراد صل بأمر ربك أي: بكونه المحمود على ذلك،حيث كان هو الذي شرع الصلاة وأمر بها.
وإما أن يكون المراد: صل بأمر ربك أي: صل الصلاة المأمور بها التي أمرك بها ربك (انظر القول الرابع).
القول الثامن: أن التسبيح يراد به الذكر والتحميد يراد به الثناء، والباء للاستعانة فقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} معناه اذكر ربك بالتحميد والشكر أي ليكن ذكرك بالحمد والشكر لربك.
وهذا المعنى لا يدل ضرورة الجمع بين التسبيح والتحميد، بل يدل على أن يكون ذكر الله بالتحميد والشكر له.
القول التاسع: أن التسبيح يراد به الحمد نفسه والتحميد يراد به الثناء، والباء للاستعانة.فقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} معناه: احمده، أي سبحه بواسطة
أن تحمده.
وذلك لن الحمد يقوم مقام التسبيح،لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح، فإن الحمد معناه: الثناء على الله والشكر له، وهذا تنزيه له واعتراف بأنه أهل لأن ينزه ويعظم ويثنى عليه، لأنه لا يكون مستحقا للثناء إلا إذا كان منزها عن النقص فحمد الحامد لله تسبيح له.
وبناء على هذا التفسير لا تكون الآيات التي وردت في هذا الباب دالة على الجمع بين التسبيح والتحميد في اللفظ والمعنى، وهذا فيه نظر، وكون الحمد يتضمن التسبيح لا يقتضى أن يقوم مقامه، لاسيما عند الاقتران، فقد تقدمت الإشارة إلى أن كلا من التسبيح والتحميد يستلزم معنى الآخر إذا أفردا، وعند الاقتران يعطى كل خاصيته فلا سبيل إلى تفسير التسبيح بالحمد نفسه في هذه الآيات، والله تعالى أعلم.
القول العاشر: أن التسبيح يراد به التنزيه والتطهير، والتحميد يراد به الثناء،والباء صلة زائدة؛ لأن العرب تدخل الباء أحياناً في التسبيح وتحذفها أحياناً، فتقول سبح بحمد ربك،وسبح حمد ربك،كما قال الله تعالى {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [الواقعة/74و96، والحاقة:52]، وقال في موضع آخر {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى/1].
فقوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ} تقديره: سبح حمد ربك.
وفي المراد بذلك احتمالات:
أحدها: أن معناه:اختر لربك أطهر المحامد وأزكاها.
الثاني: طهر محامد ربك عن الرياء والسمعة، وعن التوسل بذكرها إلي الأغراض الدنيوية.
الثالث: طهر محامد ربك عن أن تقول جئت بها كما يليق.
وهذا التفسير بجميع ما فيه من الاحتمالات قائم على أن الفعل (سبح) مسلط على لفظ (حمد رب)، بمعنى: طهر حمد ربك، ثم لهذا التطهير الاحتمالات المذكورة، وليس فيها ما يدل على الجمع بين التسبيح والتحميد لفظًا ومعنى.
وهذه الأقوال العشرة السابقة معظمها صحيح في نفسها، ولكن الشأن هنا بيان ما جاء به الكتاب والسنة من القرن بين التسبيح والتحميد لفظًا ومعنى، قولاً واعتقاداً، وأوضح الأقوال على ذلك هو القول الأول.
وقد دلت السنة على المراد بقوله {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الجمع بين التسبيح والتحميد لفظًا ومعنى، وقولاً واعتقاداً، كما في حديث عَائِشَةَ ~ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -‘- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِى رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى». يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ ([8]).
فقولها ~: (يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) أي يفعل ما امره الله به في القرآن، تعني قوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:3].
¥