أولاً: هل كل لفظ (أي التسبيح والتحميد) يراد معناه الحقيقي؟ أما بحسب السياق في الآية أو الحديث.
القول الأول:أن كلا من التسبيح والتحميديراد به معناه الأصلي، والباء للمصاحبة بمعنى (مع). وعليه فالمراد بقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} الجمع بين التسبيح والتحميد لفظًا بقول:سبحان الله وبحمده، أو سبحان الله والحمد لله.ومعنًى بتنزيه الله تعالى عما لا يليق به من النقائص والتمثيل، وإثبات ما يليق به من المحامد وصفات الكمال.
وربما جعل بعضهم التسبيح خاصا باعتقاد القلب، والتحميد خاصاً اللسان الموافق لاعتقاد القلب.
القول الثاني: أن التسبيح يراد به معناه الأصلي، والتحميد يراد به التوفيق للخير والإنعام، والباء للسبيبة.فقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} معناه سبح بتوفيق ربك لك وإنعامه عليك،أي: بسبب ذلك.
وحقيقة هذا المعنى أن الحمد هو الثناء، والثناء ناشئ عن التوفيق للخير والإنعام على المثنى، فنزل الناشئ عن السبب منزلة السبب؛ ولكن ليس في هذا المعنى ما يدل على الجمع بين التسبيح والتحميد لفظًا ومعنى، وإنما يدل على أن العبد يأتي بالتسبيح لفظًا ومعنى من توفيق الله له وإنعامه عليه.
القول الثالث: أن التسبيح يراد به معناه الأصلي والتحميد يراد به الرضا،وذلك كما قال نفطويه: (وأما قوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة/30]، فقولهم {نُسَبِّحُ} أي: ننزهك ونباعد عنك ما وُصفت به خلاف صفاتك. وقوله: {بِحَمْدِكَ} أي: برضاك ورضانا بذلك).
وهذا المعنى يفيد الجمع بين التسبيح – لفظًا ومعنى- وبين الرضا، وهو من أعمال القلوب لأنه ضد السخط والكراهة،ولهذا يكون تفسير الحمد بالرضا تفسيرًا له بجزء مدلوله؛ لأن الحمد يتضمن الرضا وزيادة فحقيقة الحمد:الإخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله والرضا به، فتضمن الثناء والمحبة والإجلال والرضا.
القول الرابع: أن التسبيح يراد به معناه الأصلي، والتحميد يراد به الأمر. فقوله {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} معناه سبح بأمر ربك.
ولهذا التفسير توجيهان أشار إليهما شيخ الإسلام ابن تيمية ’:
(وروى ابن أبي حاتم عن أسباط عن السدي عن أبي مالك: قوله: {بِحَمْدِ} يعني: بأمر.
التوجيه الأول: وتوجيه هذا: أن قوله {بِحَمْدِ} أي بكونه محمودا، كما قد قيل في قول القائل: "سبحان الله وبحمده" قيل: سبحان الله ومع حمده أسبحه، أو أسبحه بحمدي له.
التوجيه الثاني: وقيل: "سبحان الله وبحمده" سبحناه، أي: هو المحمود على ذلك، كما تقول: فعلت هذا بحمد الله وصلينا بحمد الله، أي: بفضله وإحسانه الذي يستحق الحمد عليه، وهو يرجع إلى الأول، كنه قال: تحمدنا لله، فإنه المستحق لأن نحمده على ذلك، وإذا كان ذلك بكونه المحمود على ذلك، فهو المحمود على ذلك؛ حيث كان هو الذي أمر بذلك وشرعه، فإذا سبحنا سبحنا بحمده.
- وقد يكون القائل الذي قال: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: بأمره، أراد المأمور به، أي: سبحه بما أمرك أن تسبحه به. فيكون المعنى: سبح التسبيح الذي أمرك به. ([7]))
وعلى كلا التوجيهين لا يكون قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} دالاً على الجمع بين التسبيح والتحميد في اللفظ والمعنى، لأنه –على التوجيه الأول – تكون الباء للسببية،بمعنى:سبح بسبب أن الله أمرك بذلك وهو المحمود عليه.وعلى التوجيه الثاني تكون الباء للاستعانة، بمعنى سبح بما أمرك الله أن تسبحه به.
القول الخامس: أن التسبيح يراد به التنزيه، وقوله {بِحَمْدِ رَبِّكَ} الباء للاستعانة، والحمد مضاف إلى الفاعل، فمعنى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}: نزهه بما حمد نفسه به من الأسماء والصفات.
والظاهر أن أصحاب هذا القول أرادوا التنبيه بهذا التفسير على أن تنزيه الله تعالى لابد أن يكون منضبطًا بما جاء به الكتاب والسنة من إثبات صفات الكمال لله تعالى مع نفي النقائص والتمثيل عنه، فهذا هو التنزيه المحمود، لأن تنزيه لله تعالى بما حمد به نفسه خلافاً لمن نفي صفات الله تعالى أو نفى بعضها بدعوى التنزيه،فهذا تنزيه مذموم لمخالفته الكتاب والسنة.
¥