تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و مصراته ثالث كبريات مدن ليبيا بعد طرابلس غرباً و بنغازي شرقاً، وهي مدينة كان سكانها عند الفتح الإسلامي بربراً خلصاً، و قد أقام الشيخ قبل استقراره بمصراته في طرابلس لفترة من الزمان و عرف مشاهير رجالها، ويعدّ بعضهم ضمن شيوخ زروق كأحمد بن عبد الرحمن اليزليتني المعروف بحلولو، و علي الخروبي الطرابلسي وكان صديقاً حميماً للشيخ زروق و صار ابنه محمد احد أتباع الشيخ المخلصين.

جاء الشيخ إلى مصراته عام 886 هـ/ 1481 م وطاب له فيها المقام حيث قضى فيها بقية أيام حياته، وقد تكون المدينة أعجبته ببساطتها وصفائها، وبحياتها شبه البدوية، ولعل ما ذكره المؤرخ الصوفي محمد بن ناصر الدرعي بعد مرور قرن من ذلك الزمان يصف مصراته ويقول: " وحسب مصراته أن زروق اختارها مسكناً وان الله اختارها له مدفناً، ذلك لما طبع عليه غالب أهلها من الحياء والتقشف ومحبة الصالحين والاعتناء بالمنتسب إلى طريقتهم، ولما طبعوا عليه من الكلام من عدم الفحش، ولما فيهم من السخاء ولين الجانب للغريب، وغير ذلك "

وقد كان من أقران الشيخ ولي مسلاته الشيخ عبد الواحد الدكالي وهو شيخ ولي زليتن الشهير عبد السلام الأسمر، حيث كان يأتي إليه الشيخ زروق من مصراته إلى بلد مسلاته على فرس حمراء وبيده رمح كما ذكر ذلك الشيخ عبد السلام الأسمر، وقد أصاب الشيخ زروق في مصراته المكانة الرفيعة والتوقير العظيم من أهلها بسبب مكانته العلمية وشهرته الصوفية، وأصبح واحداً من أهلها، وتجمع الطلبة والمريدون من حوله، وصارت له الصدارة في مجالسهم، وغدا ينشر علمه بين الناس في المسجد الذي كان يؤدي فيه صلاته قرب منزله، وتزوج أمة الجليل بنت أحمد بن زكريا المصراتي وحملت له ولدين وبنتاً، فضلاً عن زوجته الفاسية فاطمة الزلاعية الني لحقت به من المغرب.

ولم يغادر مصراته بعد استقراره بها سوى مرتين، الأولى سنة 91/ 892 هـ إلى الجزائر ليرعى بعض شؤونه هناك ويحضر أسرته، والثانية سنة 894 هـ (1489م) حيث أدى فريضة الحج للمرة الثالثة الأخيرة، وقضى بعدها السنوات الأربع الباقية من حياته القصيرة الحافلة, أخذ عنه جماعة منهم الشمس اللقاني والشيخ محمد بن عبد الله الحطاب و الشيخ زين الدين طاهر القسنطيني نزيل مكة في جماعة.

وفي اليوم الثاني عشر من شهر صفر سنة 899 هـ (1493 م) وهي آخر سنه في سني القرن التاسع الهجري توفي أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى، زروق، في خلوته، وعمره أربعة وخمسون عاماً، وكان يدعو ربه أن يقبضه إليه قبل أن يشهد القرن العاشر، وقد استجاب الله لدعوته تلك، وكان كل ما تركه من ارث بعده، نصف فرس يشاركه فيها رجل مصراتي، وبرنوساً أبيض وجبة وثوباً من الصوف، ومسبحة أهداها إليها الحضرمي، وأربعة عشر مجلداً من المؤلفات من مختلف الموضوعات.

لقد ولد فقيراً، وعاش فقيراً ومات فقيراً كما ولد وكما عاش رغم انتشار صيته وخدمة الدنيا وأهلها له.

أما النسوة والأولاد الذين خلفهم وراءه فهم زوجة زروق فاطمة الفاسية التي أنجبت له ولديه أحمد الأكبر وأحمد الأصغر، وزوجته المصراتيه – امة الجليل – التي جاءته بإبنيه أحمد أبي الفتح وأحمد أبي الفضل بالإضافة إلى ابنته منها عائشة، وقد توفي الثلاثة الأخيرين واحداً تلو الأخر، أما ولداه أحمد الأكبر وأحمد الأصغر فقد غادرا مصراته بعد موته إلى المغرب، واستقر بهم الأمر في قسنطينة من مدن الجزائر، وبعد فترة عاد ابنه أحمد الأصغر المعروف بأحمد الطالب إلى مصراته مرسلاً من قبل أخيه ليأخذ نصيب أمه وأخيه من ارث والده ويعود إلى الجزائر، كما فاز ابنه أحمد الأكبر من ارث والده بسمعته وصيته، وخلفه في شي من النفوذ على أتباعه بالجزائر، ولم يسمع بعد هذا شي عن آل الشيخ زروق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير