والرابع: يجوز لهما ولغيرهما تقليدهما.
والخامس: يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم) ا هـ.
وليس يعنينا هنا ما ترتب على أصل الخلاف من تفريغ إجزاء صوم من صام عن فريضته أو عدم إجزائه عنها وإنما يعنينا هنا أصل الخلاف في اعتبار الحساب في إثبات الأهلة وعدم اعتباره، وأدلة كل قول، ثم بالتفريع والتطبيق يعرف حكم الجزيئات والفروع؛ لذا اكتفينا بذكر أصل الخلاف.
أدلة الأقوال ومناقشتها
أولا: أدلة من يقول بإثبات الشهور القمرية برؤية الهلال فقط:
أ - استدل الجمهور بأحاديث إثبات الهلال بالرؤية، ففيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم للرؤية والإفطار لها في قوله: صحيح البخاري الصوم (1909)، صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الترمذي الصوم (684)، سنن النسائي الصيام (2117)، سنن ابن ماجه الصيام (1655)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 497)، سنن الدارمي الصوم (1685). صوموا لرؤيته، وأفطروا
(الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 14)
لرؤيته، ونهى عن كل منهما عند عدمها في قوله: صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2122)، سنن أبو داود الصوم (2320)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684). لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، وأمرهم إذا كان غيم أو نحوه ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة ثلاثين، ولم يأمرهم بالحساب، ولا بالرجوع إلى الحساب، بل حصر بطريق النفي والإثبات الشهر بالرؤية، فدل على أنه لا اعتبار شرعًا لما سواها في إثبات الأهلة، وهذا تشريع من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عام للحاضر والباد، أبدا إلى يوم القيامة، ولو كان هناك أصل آخر للتوقيت لأوضحه لعباده؛ رحمة بهم، وما كان ربك نسيا.
واعترض عليه: بأن تعليق الحكم بثبوت رمضان والخروج منه بالرؤية معلل بوصف الأمة بأنها أمة أمية لا تحسب ولا تكتب، وقد زال عنها وصف الأمية بكثرة علماء النجوم وحساب منازل القمر، فيزول تعليق الحكم بالرؤية أو بخصوص الرؤية، ويعتبر الحساب وحده أصلا أو يعتبر أصلا آخر؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
وأجيب أولا: بأن وصف الأمة بأنها أمية لا يزال قائما اليوم بالنسبة لعلم النجوم ومنازل القمر في الأغلب والكثير منها، كما كان قائما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والقرون الأولى في الأغلب منها بالنسبة لعلم النجوم ومنازل القمر، فقد كان العلم بذلك معروفًا عند العرب، لكن العارفون به قلة، كما أن العارفين به اليوم قلة بالنسبة لغيرهم، ومع ذلك لم يعتبره النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يكون أمر المسلمين اليوم في هذا الحكم على ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأجيب ثانيًا: بأن الرؤية أمر عام؛ لتيسرها لسواد الأمة ومعظمها، فكان تعليق حكم صوم الشهر والإفطار منه بها أيسر للأمة، وأوفق بمقاصد
(الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 15)
الشريعة، فإنها الحنيفية السمحة، بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب، والعلماء به قليل بالنسبة لسواد الأمة، فإنه يلزمهم ما لا يخفى من الحرج الذي يتنافى مع مقاصد الشريعة.
واعترض عليها أيضًا: بأن لفظ الرؤية وإن كان خاصا حسب ظاهره بما يكون بالبصر فإن معناه عام، إذا القصد العلم أو غلبة الظن بوجود الهلال مفارقًا للشمس بعد اجتماعه بها وتأخره عنها بعد الغروب أو بوجوده مع إمكان رؤيته، لا خصوص الرؤية بالبصر، فإن الرؤية اعتبرت لكونها وسيلة للعلم أو غلبة الظن، وهذا لا يمنع من أن تكون هناك وسيلة أخرى في معناها يعرف بها وجود الهلال فقط، أو وجوده مع إمكان رؤيته، فإذا وجدت اعتبرت، وقد تحقق هذا في علم النجوم ومنازل القمر.
ويمكن أن يجاب: بأن الرؤية في الحديث بصرية؛ لتعديها لمفعول واحد، ولأن الصحابة فهموا ذلك، وجرى عليه العمل في عهدهم، ولو كان معنى الرؤية أوسع من لفظها لكان الصحابة أفهم له منا، ولرجعوا عند الحاجة إلى الحساب؛ لوجودهم بين أظهرهم، وإن كانوا قلة.
قال ابن بزيزة: نهت الشريعة عن الخوض في علوم النجوم؛ لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع، ولا ظن غالب، مع أنها لو ارتبط الأمر بها لضاق الأمر، إذ لا يعرفها إلا القليل.
¥