وقال ابن بطال وغيره: معنى الحديث: إننا لم نكلف في تعريف مواقيت صومنا ولا عبادتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة، إنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة، وأمور ظاهرة، يستوي في معرفة ذلك الحسّاب وغيرهم.
2 - واستدلوا أيضا: بقوله تعالى سورة البقرة الآية 189 يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ
(الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 16)
قال ابن تيمية رحمه الله: فجعل الله تعالى الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة في الشرع ابتداء أو سببًا من العبادة، وللأحكام التي تثبت بشروط العبد، فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه الصيام والحج ومدة الإيلاء والعدة وصوم الكفارة، وخص الحج بالذكر؛ تمييزًا له، ولأن الحج تشهده الملائكة وغيرهم، ولأنه يكون في آخر شهور الحول، فيكون علما على الحول، كما كان الهلال علما على الشهر، ولهذا يسمون الحول حجة. ا هـ. بتصرف.
لكن توجيه الاستدلال بالآية مجمل؛ ولذلك يمكن للمخالف أن يقول: الأهلة مواقيت للناس والحج عن طريق معرفة وجود الهلال بحساب النجوم ومنازل القمر، كما يحتمل أن تكون مواقيت عن طريق رؤية الهلال بالبصر، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال، وإذًا لا بد من الرجوع في الاستدلال بالآية إلى الأحاديث التي أوضحت أن ثبوت الشهر القمري إنما هو برؤية الهلال وألغت اعتبار ما سواه، كما تقدم في الدليل الأول.
3 - واستدلوا أيضًا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإكمال العدة ثلاثين، إذا كان غيم أو نحوه مما يمنع عادة من رؤية الهلال، ولم يأمرهم بالحساب ولا بالرجوع إلى الحساب، ولو كان علم النجوم أو حساب سير القمر معتبرًا شرعا وأصلا يرجع إليه ـ لعرفهم به، وأرشدهم إليه، إذ لا يجوز تأخير
(الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 17)
البيان عن وقت الحاجة.
واعترض عليه: بأن في الحديث أمرًا بالرجوع إلى الحساب إذا كان غيم ليلة الثلاثين، فإن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري الصوم (1900)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2320)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684). فإن غم عليكم فاقدروا له: فإن حال دون الهلال سحاب أو نحوه فاقدروا منازل القمر وسير الكواكب، واعرفوا لحساب ذلك مفارقته الشمس بعد اجتماعه بها، وتأخره عنها بعد غروبها هذه الليلة.
وأجيب أولا: بأن تفسير هذه الرواية بما ورد في الرواية الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري الصوم (1907). فأكملوا العدة الثلاثين يرد تفسيره بما ذكره المعترض.
وثانيًا: بأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم وخطابه للأمة يحمل على معهود العرب في كلامهم وخطابهم، ولم يعهد من الصحابة الرجوع إلى الحساب، ولا كان من عادتهم ذلك، فحمل كلامه على الأمر بتقدير سير الكواكب أو القمر بعيد عما ألف لديهم، وعما جرى به العمل عندهم.
4 - واستدلوا أيضًا: بقوله صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري الصوم (1913)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2140)، سنن أبو داود الصوم (2319)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 43). إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب. . . الحديث.
قالوا: فلو جعل علم النجوم وحساب سير القمر ومعرفة منازله أصلا، يرجع إليه في بدء شهر الصوم ونهايته، وبدء شهر الحج ـ لكان فيه حرج ومشقة، والشريعة الإسلامية شريعة سمحة بنيت على التيسير ورفع الحرج، فلا تعلق أحكامها بما يشق على المسلمين معرفته؛ كعلم النجوم والحساب.
واعترض عليه بما تقدم في الاعتراض على الدليل الأول: من أن وصف الأمية قد زال؛ لكثرة علماء النجوم، وحساب منازل القمر، والحكم يدور
(الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 18)
مع علته وجودًا وعدما، فوجب اعتبار علم النجوم والحساب فقط، أو اعتباره أصلا آخر في معرفة الشهور والسنين القمرية.
وأجيب عنه بما تقدم: قال ابن تيمية بعد أن ذكر أحاديث الاعتماد على الرؤية فقط في إثبات الشهور القمرية: (فهذه الأحاديث المستفيضة المتلقاة بالقبول دلت على أمور:
¥