تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فنقول: الحاسب غاية ما يمكنه إذا صح حسابه أن يعرف مثلا أن القرصين اجتمعا في الساعة الفلانية، وأنه عند غروب الشمس يكون قد فارقها القمر، إما بعشر درجات مثلا، أو أقل أو أكثر، والدرجة هي جزء من ثلاثمائة وستين جزءًا من الفلك.

(الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 26)

فإنهم قسموه اثني عشر قسمًا سموها: (الداخل): كل برج اثنتا عشرة درجة، وهذا غاية معرفته، وهي بتحديد كم بينهما من البعد في وقت معين في مكان معين. هذا الذي يضبطه بالحساب.

أما كونه يرى أولا يرى فهذا أمر حسي طبيعي، ليس هو أمرًا حسابيًّا رياضيًّا، وإنما غايته أن يقول: استقرأنا: أنه إذا كان على كذا وكذا درجة يرى قطعا أو لا يرى قطعا - فهذا جهل وغلط، فإن هذا لا يجري على قانون واحد لا يزيد ولا ينقص في النفي والإثبات، بل إذا كان بعده مثلا عشرين درجة فهذا يرى ما لم يحل حائل، وإذا كان على درجة واحدة فهذا لا يرى، وأما ما حول العشرة فالأمر فيه يختلف باختلاف أسباب الرؤية من وجوه.

ثم ذكر اختلاف الرؤية باختلاف حدة البصر وكلاله، وباختلاف كثرة المترائين وقلتهم، وباختلاف مكان الترائي ارتفاعًا وانخفاضًا، وباختلاف وقت الترائي، وباختلاف صفاء الجو وكدره، ثم قال: (فإذا كانت الرؤية حكما تشترك فيه هذه الأسباب التي ليس شيء منها داخلا في حساب الحاسب، فكيف يمكنه مع ذلك أن يخبر خبرًا عاما أنه لا يمكن أن يراه أحد حيث رآه على سبع أو ثمان درجات أو تسع، أم كيف يمكنه أن يخبر خبرًا جزمًا أنه يرى إذا كان على تسعة أو عشرة مثلا؟!) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\ 186 - 190). إلى أن قال: (فتبين بهذا البيان: أن خبرهم بالرؤية من جنس خبرهم بالأحكام وأضعف).

وبعد أن ذكر اعتراف حذاق المنجمين بأن أحكامهم مبناها على الحدس والوهم قال: (فتبين لهم أن قولهم في رؤية الهلال وفي الأحكام من باب

(الجزء رقم: الصفحة رقم: 27)

واحد يعلم بأدلة العقول امتناع ضبط ذلك، ويعلم بأدلة الشريعة تحريم ذلك والاستغناء عما نظن من منفعته بما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة؛ ولهذا قال من قال: إن كلام هؤلاء بين علوم صادقة لا منفعة فيها، ونعوذ بالله من علم لا ينفع، وبين ظنون كاذبة لا ثقة بها، وأن بعض الظن إثم ولقد صدق، فإن الإنسان الحاسب إذا قتل نفسه في حساب الدقائق والثواني كان غايته ما لا يفيد، وإنما تعبوا عليه؛ لأجل الأحكام، وهي ظنون كاذبة) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\ 200 - 201). ا هـ.

2 - واستدلوا ثانيًا: برجوع الفقهاء إلى أهل الخبرة في كثير من شئونهم، فنراهم يرجعون إلى الأطباء في جواز فطر المريض في رمضان، ويرجعون إلى علماء اللغة في فهم نصوص الكتاب والسنة، ورجعوا في تقدير مدة التأجيل في العنين والمعترض وتقدير سن اليأس- إلى الحساب، إلى غير هذا من أمور، فيجب عليهم أن يرجعوا في بدء الشهور القمرية ونهايتها إلى حساب النجوم ومنازل القمر.

وأجيب: بوجود الفرق بين الرجوع إلى علماء الحساب والرجوع إلى الأطباء وعلماء اللغة فيما يخصهم.

وبيانه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب في مسألتنا الرجوع إلى رؤية الأهلة ومنع الاعتماد على غيرها، فقال: صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2122)، سنن أبو داود الصوم (2320)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684). لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، ولم يمنع من الرجوع إلى الأطباء في تشخيص الأمراض وتقدير خطورتها وعلاجها، ولم يمنع من الرجوع إلى اللغة في فهم النصوص، بل

(الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 28)

أقر ذلك وجرى العمل عليه في عهده وعهد الصحابة، وكيف تفهم نصوص القرآن والسنة بدون اللغة العربية، وهي الوسيلة الوحيدة لذلك، أما ادعاء رجوع الفقهاء في تقدير مدة التأجيل فيما ذكر وفي تقدير سن اليأس إلى الحساب- فممنوع إن أريد به حساب النجوم ومنازل القمر وسيره، ومُسَلَّم إن أريد به الرجوع في تقدير ما ذكر إلى عد الشهور القمرية بناء على رؤية أهلتها، ويتبع هذا معرفة السنين، فإن السنة اثنا عشر شهرًا بنص القرآن، وأما معرفة الأيام فراجعة إلى أمر حسي هو طلوع الشمس وغروبها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير